على مواقع التواصل... ثلاثة فيديوهات لا علاقة لها بالمعارك في السودان
منذ 15 نيسان/ أبريل الجاري، يشهد السودان معارك طاحنة بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، ما أدى لسقوط مدنيين جراء القصف وتبادل إطلاق النار. في هذا السياق، ادعت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أنها وثقت عدة أحداث من التطورات في السودان، مستشهدة بمقاطع فيديو. لكن مشاهد العنف هذه التي ارتكبتها قوات مسلحة وتحليق طائرات مروحية والغارات الجوية تم إخراجها من سياقها.
نشرت في:
حررت هذا المقال: إيميلي بيرود
عملية التحقق في سطور
- منذ منتصف نيسان/ أبريل الجاري، تدعي منشورات تم بثها على واتساب وتويتر باللغتين العربية والإنكليزية بالخصوص أنها تظهر المعارك التي تهز السودان
- تسمح عدة علامات بصرية إضافة إلى بحث عكسي عن الصورة لفريق تحرير مراقبون بتعقب حقيقة هذه المقاطع المصورة التي تم إخراجها جميعا عن سياقها الحقيقي
- تم تصوير مقطع الفيديو الأول في إثيوبيا خلال شهر حزيران/ يونيو 2022 خلال مجرزة وثقتها مؤسسة إثيوبية فيما تم تداول المقطع المصور الثاني على وسائل التواصل الاجتماعي منذ آب/ أغسطس 2022، فيما يتعلق الفيديو الأخير بقصف حدث في اليمن خلال شهر حزيران/ يونيو 2020.
علمية التحقق بالتفصيل
في بلد عانى خلال العقود الماضية من الحروب والعقوبات الدولية، فإن الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد دقلو الملقب بحميدتي وجهت ضربة قاضية للنظام الصحي الذي يعاني أصلا من انتشار العنف، خصوصا في العاصمة الخرطوم وفي إقليم دارفور حيث سقط ما لا يقل عن 459 قتيلا وأكثر من 4 آلاف جريح، حسب أرقام الأمم المتحدة.
وتمكن فريق تحرير مراقبون فرانس24 بالخصوص من توثيق صور حقيقية من النزاع في السودان. بإمكانكم الاطلاع عليها عبر هذا المقال:
تقرؤون أيضا على موقع مراقبون: "الناس يموتون من العطش": آلاف السودانيين يجدون أنفسهم مجبرين على الهرب
في المقابل، يجب عليكم توخي الحذر عندما تعترضكم ثلاثة مقاطع فيديو ننشرها في هذا المقال، وذلك لأنه لا علاقة لها بالوضع الحالي في السودان
مقطع فيديو تم تصويره في إثيوبيا
تواصل معنا عدد كبير من القراء يوم الجمعة 21 نيسان/ أبريل لإبلاغنا بصور عنيفة إلى أبعد حد تم تداولها بالخصوص عبر مجموعات في تطبيق واتساب في كينيا وتظهر عناصر من الجيش السوداني يضربون نحو عشرة مدنيين حتى الموت.
في هذا المقطع المصور، الذي تم تداوله نحو 700 مرة على تويتر باللغة الإنكليزية -الذي نحذركم من مشاهده الصادمة- يقوم رجال بزي عسكري بركل أفراد ممدين على الأرض حتى سال الدم من أجسادهم حيث قاموا بضربهم بالعصي والأقدام على الوجه وتم رميهم بالحجارة.
"أرسل صديق قديم من أصحاب القبعات الخضراء [فريق التحرير: عضو في القوات الخاصة الأمريكية] هذا المقطع المصور. وقال إنه التقط في السودان حيث يسافر إلى هناك في بعض الأحيان" هذا ما كبته صاحب هذه التغريدة على تويتر والذي يقدم نفسه على أنه "مراسل حربي الأكثر خبرة في الولايات المتحدة".
واختار فريق تحرير مراقبون عدم نشر المقطع والاكتفاء بصور ملتقطة منه.
لكن هذا المقطع المصور لم يتم التقاطه في السودان بل في إثيوبيا المجاورة وهو ما تؤكده عدة عناصر بصرية فيه.
إذ أن إيقاف الصور لتكبير المشهد، يمكن لنا أن نتعرف بوضوح على العلامة التجارية لقارورة مياه بلاستيكية يحملها أحد العساكر تحمل العبارات التالية على ملصقتها ""One", "natural purified water" (وان، ماء طبيعي مصفى).
وتتبع هذه العلامة التجارية لمؤسسة إثيوبية يوجد موقع إنتاجها على بعد بضعة كيلومرات من العاصمة أديس أبابا "يوجد المصنع في قلب منطقة سيبيا جنوب غرب أديس أبابا ويملك ستة خطوط إنتاج تصل طاقتها إلى 120 ألف قارورة في الساعة" حسب توضيح الموقع الإلكتروني للشركة.
يوجد مؤشر ثان يسمح بالتأكد من تحديد موقع تصوير الفيديو في إثيوبيا. إذ نرى في المقطع المصور علما يحمل أربعة ألوان وهي الأسود والأحمر والأخضر والأبيض. ويتعلق الأمر بعلم منطقة غامبيلا التي تقع في جنوب غرب إثيوبيا.
في الأخير، قام Ethiopian Human Rights Commission المعهد الإثيوبي للدفاع عن حقوق الإنسان التابع لمصالح الدولة الفدرالية بالتحقيق في أعمال العنف الدامية التي وثقها هذا المقطع المصور.
ففي تقرير اطلع عليه فريق تحرير مراقبون فرانس24، فإن تم إثبات أن "انتهاكات حقوق الإنسان" هذه تسببت في وفاة "ما لا يقل عن 50 مدنيا في مدينة غامبيلا على يد قوات الأمن المحلية وذلك بين يومي 14 و16 حزيران/ يونيو 2022"
طائرات مروحية تم تصويرها في 2022
تظهر صورة أخرى، نشرت على تويتر باللغة الإنكليزية في 15 نيسان/ أبريل الجاري، أي يوم اندلاع المعارك في السودان، عدة طائرات مروحية قيل إنها حلقت فوق الخرطوم.
"خبر عاجل"، هذا ما يمكن أن نقرأه في النص الذي رافق هذا المنشور الذي حظي بمشاهدة أكثر من 400 ألف حساب "يحلق عدد كبير من الطائرات المروحية العسكرية في أجواء الخرطوم".
في الحقيقة، تم التقاط هذا المقطع المصور من عدة أشهر، حسب ما يؤكد بحث عكسي عن الصور بالاستعانة ببرنامج متاح على الإنترنت إينفيد ويريفاي InVid WeVerify (انظر هنا كيف يمكن استخدامه).
في الحقيقة، تم نشر هذه الصور سابقا عبر تطبيق تيك توك في 14 آب/ أغسطس 2022 أي قبل بداية التوتر بين البرهان وحميدتي اللذين يتقاسمان السلطة منذ الانقلاب العسكري الذي قاما به ضد عملية الانتقال الديمقراطي في تشرين الأول/ أكتوبر 2011. "القوات الجوية السودانية" هذا ما كتب مع الفيديو الموجود على تيك توك.
وتم نشر الفيديو للمرة الأولى في الذكرى 68 لتأسيس القوات المسلحة السودانية وتظهر ببساطة عرضا عسكريا رغم أنه لا شيء في النص المرفق مع الصور يشير إلى ذلك.
لم نتمكن من العثور على نسخة أصلية من الفيديو، ولكن نفس الصور كانت منشورة على فيس بوك في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، من قبل صفحة تهتم بنشر صور ومقاطع فيديو للقوات المسلحة السودانية.
سلسلة غارات تم تصويرها في اليمن
يزعم منشور على تويتر في 18 نيسان/ أبريل باللغة الإنكليزية أنه يظهر غارات حديثة في السودان. حيث يشير النص المرفق مع الصور إلى "غارات جوية من قبل جيش الجو السوداني على مواقع القوى الانقلابية لقوات الدعم السريع".
ونشر مقطع الفيديو من قبل حساب يتابعه أكثر من 200 ألف شخص ويقدم نفسه على أنه نفسه "متابع للأخبار العاجلة والتقارير والآراء حول مختلف المعارك التي تجري في العالم".
رغم ذلك، فإن هذه المشاهد لم تلتقط في السودان بل باليمن وذلك في شهر حزيرن/ يونيو 2020. إذ نرى في شريط زهري في أسفل يمين الشاشة يمكن أن يدلنا على حقيقة الفيديو. ويحمل هذا الشريط عبارة "@Ana_Al_Fahad".
يتيح بحث عن كلمات مفاتيح العثور على مقطع الفيديو الأصلي الذي نشر عبر قناة في يوتيوب تحمل نفس الاسم. "استهداف مسؤولين حوثيين وقاعات العمليات في اليمن" هذا ما يمكن أن نقرأه في النص المرفق مع الفيديو الذي نشر بتاريخ 2 حزيران/ يونيو 2020.
رغم أن تحديد هوية صاحب قناة اليوتيوب هذا يبقى غير ممكن، فإن تعريف الصفحة يحيلنا إلى حساب على تويتر مناصر للسعودية وينشر علم المملكة العربية السعودية وصورة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتدخلت السعودية عسكريا في اليمن منذ سنة 2015 لدعم القوات الموالية للحكومة ضد الحوثيين المدعومين من إيران والذي سيطروا بعد ثماني سنوات من الحرب على أراض شاسعة شمال وغرب اليمن، أفقر بلدان شبه الجزيرة العربية.