"انضموا إلى مجموعة فاغنر" ... موقع على الإنترنت لانتداب المقاتلين يخفي وراءه ماكينة الدعاية الروسية
صور أخرجت من سياقها وخريطة مزيفة وصور إنسانية مغرية، هذا ما نجده في موقع على الإنترنت بدأ بالعمل في شهر تشرين الثاني/نوفمبر ويقدم نفسه على أنه منصة لانتداب المقاتلين لفائدة مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية ولكنه يبدو من الوهلة الأولى موقعا للنصب والاحتيال. ومن خلال تحليل بعض محتويات الموقع، يبدو أن الروابط بين الموقع ومجموعة المرتزقة أكثر جدية مما يعطيه الانطباع الأول. وهو ما يحيل على أن الموقع المذكورقد لا يكون مبادرة معزولة.
نشرت في: آخر تحديث:
يتلخص الموقع في صحفة واحدة في نسخة فرنسية وأخرى إنكليزية. وتجذب واجهة الموقع الانتباه بعبارة "فاغنر، نحن نوقف الرعب" مع عبارتين بالأحرف الكبيرة "انضموا إلى فاغنر" متبوعة بخريطة واستبيان لتعميره.
ومع ذلك، تبقى طبيعة صفحة الموقع غامضة. ولكن مع تفحص بيانات الموقع أي المعلومات المتعلقة به واسم مجال الواب وعنوان موقع الإنترنت "إي بي"، نكتشف أن اسم الموقع Join-wagner.com قد أنشأ في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وبعد إطلاق الموقع، أضاف مديره مكان الإنشاء وهي مدينة بانغي التي تعتبر عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى.
بيانات "وويز" المتعلقة بموقع الإنترنت من خلال تاريخ الإنشاء "المربع الموجود في الأعلى" ومكان تسجيله (المربع الموجود في الأسفل). صورة ملتقطة من الشاشة بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2021. وإذا ما كان تاريخ إنشاء الموقع لم يتغير، فإن مكان التسجيل والمعلومات الأخرى يمكن في بعض الأحيان تعديلها في أي لحظة. صورة دي أر.
وفي بلد مثل أفريقيا الوسطى، لم يعد وجود مرتزقة مجموعة "فاغنر" خافيا على أحد. وإذا ما كانت السلطات المحلية (روسيا أيضا) تتحدث عن "مدربين"، فإن منظمة الأمم المتحدة بالخصوص تسميهم من جهتها بمقاتلي "فاغنر" فيما تكشف وسائل إعلام ومنظمات غير حكومية باستمرار الانتهاكات التي من المرجح أنه تم ارتكابها من قبل هؤلاء المقاتلين شبه العسكريين.
خريطة مثيرة للشكوك
لم تكن النسخة الأولية من الموقع تحتوي على أي خريطة. ولم تظهر على الإنترنت إلا بداية من يوم 13 كانون الأول/ديسمبر 202. وتدعي هذه الخريطة التي تظهر فيها قارة أفريقيا وجزء من الشرق الأوسط، أنها تظهر مواقع وجود مرتزقة مجموعة "فاغنر" بالإضافة إلى عددهم "50 ألف في المجموع ويصل عدد مقاتلي الاحتياط 200 ألف" حسب الصورة الموجودة في الموقع. ولكن هذه الأرقام مبالغ فيها بشدة ففي شهر كانون الأول/ديسمبر 2021، أحصت "أس بي يو" (المخابرات الداخلية الأوكرانية) 4184 مقاتلا في مجموعة "فاغنر" من الأحياء والأموات الذين قاتلوا في كل مكان في العالم. ولكن هذا الرقم يبقى بالتأكيد دون العدد الحقيقي ولكنه بعيد أيضا عن الـ250 ألفا التي تتحدث عنه الخريطة الموجودة في الموقع. وتتحدث الخريطة عن وجود مقاتلي "فاغنر" في دول الجزائر وموريتانيا وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزمبابوي وبوتسوانا. ولكن في الحقيقة لا يوجد إلى حد الساعة أي أثر لمرتزقة المجموعة في هذه المناطق. في المقابل، يبقى وجودهم في سوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومؤخرا مالي مؤكدا وموثقا.
صورة ملتقطة من الشاشة من موقع جوين-فاغنر.كوم والتي تظهر خريطة واستبيان للتعمير لتقديم الترشح للانضمام إلى المجموعة. وتمت إضافة الخريطة في الموقع في يوم 13 كانون الأول/ديسمبر 2021. صورة من موقع "جوين- فاغنر.كوم".
خريطة نشرت في أفريقيا الوسطى وتم تداولها من قبل مواقع موالية لمجموعة "فاغنر"
تبين أن المنشور الأول لهذه الخريطة على الإنترنت تم على موقع "جوين -فاغنر. كوم". ومن خلال مكتبة صور الموقع على الإنترنت، التي بقيت مفتوحة للعموم، فإن هذه الصورة قد نشرت على الإنترنت في 13 كانون الأول/ديمسبر 2021 على الساعة العاشرة و14 دقيقة صباحا بتوقيت غرينيتش وبعد أقل من ثلاث ساعات من ذلك، أي بداية من الساعة الواحدة بعد الزوال بالتوقيت العالمي (الساعة الرابعة مساء بتوقيت موسكو ) فقد تم تداول هذه الخريطة من قبل وسائل إعلام قريبة من مالك مجموعة "فاغنر".
ساعة وتاريخ نشر الخريطة على الإنترت في موقع "جوين - فاغنر. كوم". والساعة المشار إليها هنا تتعلق بالتوقيت العالمي.
على موقع تويتر، قام كولين جيرار الباحث في مركز "جيود" ( مركز جامعي فرنسي للدراسات الجيوساسية المتعلقة بالعالم الرقمي) وصاحب أطروحة دكتوارة بخصوص استراتيجية التأثير الاتصالي الروسي في كانون الأول/ ديسمبر 2021 بتقديم تفسيرات مفصلة للمسار الرقمي لهذه الخريطة المزيفة. فبعد ظهورها الأول في موقع "جوين-فاغنر.كوم"، تم تناقلها من قبل عدة قنوات مقربة من مؤسس مجموعة فاغنر. ويفسر كولين جيرار ما حدث في اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24:
تم تداول الخريطة من قبل عدة وسائل إعلام ناطقة بالروسية بينهم بعض المواقع المقربة من يفغيني بريغوجين ن [فريق التحرير: الرجل المسؤول عن مجموعة "فاغنر"] ومن بين وسائل الإعلام التي تداولت الخريطة نجد موقع "فيك" الذين ينقل من حين لآخر تصريحات لبريغوجين أو ماكسيم شوغالي [فريق التحرير: رجل أعمال مقرب من بريغوجين].
أول مرة تم فيها تداوول هذه الخريطة كان على الساعة الرابعة مساء و34 دقيقة على موقع إي أي ريكس ''IA Rex'' في يوم 13 كانون الأول/ديسمبر وفي موقع دي أن أي24 على الساعة الواحدة ودقيقة واحدة في يوم 14 كانون الأول/ديسمبر. والساعة المشار إليها هي بتوقيت موسكو. صورة كولين جيرار.
كما قام موقع آخر بتداول هذه الخريطة المزيفة وهو موقع "دي أن إي.رو" ويدعى المقال أنه تواصل مع مؤسسي موقع "جوين فاغنر" والذين كانوا من أصيلي ساحل العاج وكانوا بصدد محاول انتداب مقاتلين من كل أنحاء العالم لفائدة مجموعة "فاغنر". ولكن ما أثار فضولي، هو أن كل هذه المواقع الروسية تؤكد أن منصة 'جون - فاغنر. كوم" هي موقع أفريقي ولكن لم يذكر في أي مكان داخل الموقع أن مقره هو القارة الأفريقية.
ولمجرد أن الموقع هو أول من نشر هذه الخريطة ومن ثم تناقلتها بعد وقت قليل مواقع إعلامية مقربة من مجموعة "فاغنر"، فإن ذلك يترك انطباعا بأنها أنشأت من قبل أشخاص على علاقة قربية مع المجموعة. فيما يؤكد موقع "دي أن إي.رو" أن مجموعة فاغنر أصبحت "رمزا مهما" لفكرة "السلام والأمن" في أفريقيا وأن الروس "مرحب بهم دائما" في القارة.Colin ويضيف كولين جيرار قائلا:
كل هذا يخلق مجموعة من المؤشرات الصغيرة التي تترك إحساسا بأنها عملية صغيرة مدبرة من كامل الجهاز الذي يديره بريغوجين. ويبقى دائما من الصعب نسب مثل هذه العمليات إليه بشكل رسمي ولكنه ليست المرة الأولى التي أرى فيها وسائل الإعلام هذه تتحول إلى منصة لعمليات اتصالية تخدم مصالح بريغوجين.
وفي العموم، كل هذا الأمر يأتي في إطار دعم تحرك سياسي. ففي جمهورية أفريقيا الوسطى، يتعلق الأمر بشركة "لوباري إنفيست" وهي مؤسسة منجمية يملكها بريغوجين حيث تمول هذه الشركة إذاعة "لينغو سونغو" في جمهورية أفريقيا الوسطى ما يعني أنها ممولة من بريغوجين نفسه. ويحدث أن يتم إعادة نشر المادة الإعلامية لإذاعة "لينغو سونغو" باللغة الروسية عبر منصة "ريا فان" (فريق التحرير: "غروب باتريوت" المجموعة الإعلامية القومية وهي على ملك بريغوجين).
ويعد هذا التصرف - أي إعادة تداول معلومة أو خبر كاذب على مواقع مختلفة في حيز زمني وجيز- رائجا. وبصفة عامة يحدث ذلك عندما يتعلق الأمر بمعلومات أو شائعات يبدأ تداولها على مواقع إلكترونية تابعة لبريغوجين، وعادة ما يتم إعادة نشرها من قبل مجموعة"باتريوت" الإعلامية (فريق التحرير: على ملك بريغوجين) في الساعات التي تلي نشرها للمرة الأولى.
ومن بين الأمثلة الحية لإعادة نشر خبر كاذب، نجد إعادة نشر صورة تدعي أنها تظهر مرتزقة مجموعة "فاغنر" بصدد تدريب جنود مالين. ولكن الأمر يتعلق في الحقيقة بصور ملتقطة في جمهورية أفريقيا الوسطى مثلما أكده فريق تحرير مراقبون فرانس24 في تحقيق سابق. وفي نفس السياق، فإن هذه المعلومة الكاذبة تم تداولها من قبل وسيلة الإعلام "فيك" التي نشرت أيضا خريطة موقع "جوين فاغنر".
صور مغرية
جانب آخر جلب الانتباه في الموقع وهي تلك الصور التي يتناولها موقع "جوين - فاغنر. كوم" والتي يظهر فيها جانب خاص. ففي نسخة حفظت في الأرشيف للموقع بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2021، ويتعلق الأمر بصورة مركبة كتب عليها "فاغنر، دائما في الجانب الصحيح" ونرى من خلالها رجلا مسلحا مع طفل يمسك بساقه في إيحاء بأنه يتولى حمايته.
صورة ملتقطة من الشاشة لموقع الواب في نسخة حفظت في الأرشيف بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2021. ويوجد في الإطار الأزرق شعار قناة Reverse Side Of The Medal على تطبيق تيليغرام. صورةWayback Machine - Join Wagner ل
نشرت هذه الصورة في شهر شباط/فبراير على قناة "ريفرس سايد أوف ذي ميدال'' على تطبيق تليغرام (فريق التحرير: يتابعها أكثر 63 ألف شخص) والتي تنشر باستمرار وثائق ومعلومات بشأن مجموعة فانغر ودعم أعمال المرتزقة. وتدخل الصورة المركبة ضمن مجموعة من عشر صور أخرى نشرها في نفس التوقيت على حساب في تطبيق تليغرام. وتتناول كل هذه الصور نفس الموضوع، جندي مسلح يختفي في الظل ويقف أمام خلفية مشتعلة. حتى أن بعض هذه الصور المركبة قد طبعت على أقمصة ارتداها المنتدبون الجدد في الجيش النظامي لأفريقيا الوسطى أو حتى مدنيون في ذلك البلد.
قمصان يرتديها منتدبون جدد في الجيش النظامي في أفريقيا الوسطى يظهر عليها صور مركبة مساندة لمجموعة فاغنر وهي صور نشرت في شهر شباط/فبراير. ونشرت الصور المطبوعة على القمصان على قناة مساندة لمجموعة فاغنر على تطبيق تليغرام. صورة من قناة على تليغرم داعمة لمجموعة فاغنر.
صورة ملتقطة من الشاشة من منشورات وسائل إعلام في شهر شباط/ فبراير 2021 أخذت من قناة ناطقة بالروسية على تطبيق تليغرم تدعى "ريفرس سايد أوف ذي ميدال"، ونشرت القناة صورا مركبة لمرتزقة "فاغنر" بالإضافة إلى صور لجنود من أفريقيا الوسطى يرتدون أقمصة طبعت عليها نفس الصورة. صورة من تطبيق تليغرم على قناة مساندة لمجموعة فاغنر.
وتتعلق الصورة المركبة المعروضة على موقع "جوين فاغن. كوم" والتي تظهر الجندي مع طفل يمسك بركبته، بتمثال موجود في روسيا وسوريا في نموذجين متشابهين للغاية.
تمثالان موجودان في روسيا (على اليمين) وفي سوريا (على اليسار). صورة دي أر.
وحسب موقع التحقيقات الاستقصائية راديو فري أوروبا، ف‘ن التمثال الموجود في روسيا تم نصبه تكريما "للمتطوعين الروس" في أوكرانيا أما التمثال الموجود في سوريا فقد وضع تخليدا لذكرى مرتزقة مجموعة فاغنر الذي ماتوا في هذه البلاد. وتحت الصورة الأخيرة، يمكن لنا أن نرى صليبا يوجد في بعض الأحيان على الميداليات التي تمنح لـ"المتطوعين الروس" في سوريا.
صور أخرجت من سياقها
كما أن صفحة موقع "جوين فاغنر.كوم" مليئة أيضا بالصور التي يمكن أن نراها من خلال الاطلاع على محتويات الصفحة ومن ثم تحميلها. ونكتشف أنه لا وجود لأي صورة أصلية من بينها. إذ أن كلها أخذ من مواقع أخرة عبر الإنترنت ولا علاقة لها مباشرة بمجموعة فاغنر.
على اليسار، صورة ملتقطة من الشاشة لتقرير بث على تلفزيون روسي بشأن استعادة السيطرة على مدينة تدمر في سوريا على يد القوات الروسية الخاصة في سنة 2017، على اليمين صورة موجودة على موقع "جوين فاغنر.كوم". صورة دي أر.
في الحقيقة، تتعلق بعض الصور بالقوات الروسية الخاصة في سوريا خصوصا عندما تمكنت هذه القوات من استعاة السيطرة على مدينة تدمر في سنة 2017 بعد هجوم نفذته ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن ثلاثة صور أخرى من المرجح أنها تظهر مرتزقة روس دائما في سنة 2017. ونشر جاك مارغولين وهو باحث في مركو "سي فور أي دي أس" (مركز بحثي يتولى تحليل النزاعات في العالم) هذه الصور على تويتر في 16 أيلول/ سبتمبر موضحا ما يلي"صور تظهر مرتزقة روس في منطقة أكيربات في سوريا خلال سنة 2017".
Alleged photos of Russian PMCs at Akerbat, Syria in 2017. Note mine detection equipment.
— Jack Margolin (@Jack_Mrgln) September 16, 2021
Russian military officials commented on Russia’s involvement in this offensive at the time. https://t.co/FS7niOSWjzhttps://t.co/DhwOpYPb82 pic.twitter.com/dtO74QDb4F
تغريدة جاك مارغولين على تويتر التي تتعلق بالصور الثلاث لمرتزقة روس في سوريا خلال سنة 2017.
ويبدو أن موقع "جوين فاغنر.كوم" يتولى بوضوح تغذية قنوات نشر معلومات بشأن المجموعة كما أنه يتولى إعادة نشر صور مركبة موجودة لدى هذه القنوات. وتترك هذه المعطيات انطباعا بأن الأمر لا يتعلق بمبادرة معزولة. ولكن لا شيء يؤكد أن الموقع هو بالفعل منصة رسمية لانتداب مقاتلين لصالح المجموعة الروسية.
ولقد حاولنا الاشتراك في الموقع عبر تعمير الاستبيان الموجود على الإنترنت من دون أن نعلم لأي بريد إلكتروني سيتم إرسال بريدنا الاستبيان ولكننا لم نتلق إلى حد الآن أي جواب من طرف مؤسسي الموقع.
كما أننا نجحنا في العثور على البريد الذي تم إيداعه خلال تأسيس صفحة الموقع في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 وذلك من خلال البحث على جذور الموقع على شبكة الإنترنت. وقد تم تسجيل هذا البريد الإلكتروني من خلال برنامج "بروتون" وهي خدمة لتبادل الرسائل عبر الواب ومعروفة بأنها آمنة لأنه مشفرة رقميا. وهنا أيضا، قمنا بإرسال بريد إلكتروني دون تلقي رد إلى غاية يومنا هذا.
البريد الإلكتروني الذي عثرنا عليه في مكتبة الموقع على شبكة الإنترنت. صورة دي أر.
في الحقيقة، تبقى عمليات الانتداب في مجموعة "فاغنر" مشوبة بالغموض وهو ما ينطبق على كامل المؤسسة شبه العسكرية. وقد عثرت عدة وسائل إعلام وباحثون عل موقع القاعدة الخلفية لمجموعة "فاغنر" وهي بلدة مولكينو الصغيرة في جنوب روسيا حيث يتم استقبال جزء من المرتزقة في منازل خشبية هنا لتلقي التدريب قبل أن يتم تجنيدهم في عمليات. وتبقى هذه المعلومة - إلى حد الآن- واحدة من بين المعلومات المؤكدة القليلة بشأن انتداب المرتزقة للعمل لصالح مجموعة "فاغنر".