إسبانيا/ تونس

في مليلية الإسبانية... تونسيون مهددون بالترحيل القسري ينددون بظروف عيشهم

من اليمين إلى اليسار: الصفوف الطويلة للحصول على الطعام، دون إجراءات صحية /عون المركز يعتدي بالضرب على مهاجر /غرف النوم الجماعية المكتظة في مركز مدينة مليلية، في أوج جائحة كوفيد-19. صور أرسلها لنا مراقبنا.
من اليمين إلى اليسار: الصفوف الطويلة للحصول على الطعام، دون إجراءات صحية /عون المركز يعتدي بالضرب على مهاجر /غرف النوم الجماعية المكتظة في مركز مدينة مليلية، في أوج جائحة كوفيد-19. صور أرسلها لنا مراقبنا.
إعلان

منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، ينتظر قرابة 800 مهاجر تونسي معرفة مصيرهم في مركز الاستقبال المؤقت للمهاجرين في مليلية، التي تتبع للأراضي الإسبانية في شمال المغرب، وفي ظل غياب اتفاق ثنائي مع تونس لإجلائهم، ترفض السلطات الإسبانية نقلهم إلى إسبانيا القارية. ويستنكر مراقبنا، وهو مهاجر تونسي متواجد في المركز، التعامل غير الإنساني الذي يلاقونه.

وفي 27 نيسان/أبريل، أعلن وزير الداخلية الإسباني عن رغبته في ترحيل 780 تونسيا من مدينة مليلية وإرجاعهم بالقوة إلى بلادهم ''في أقرب الآجال''. وأكد الوزير الإسباني أن يعمل بشكل مشترك مع الحكومة التونسية على نفس هذا الموضوع.

ورغم هذا التصريح الرسمي، فإن الحكومة الإسبانية لا تملك اتفاقيات ثنائية مع تونس لترحيل مواطنيها المهاجرين قسريا عكس إيطاليا.

وفي مركز استقبال المهاجرين المؤقت (سيتي) في مدينة مليلية، يسلم المهاجرون القادمون من القارة الإفريقية بصماتهم وملفاتهم. ويبقون بعد ذلك في المركز، في انتظار دراسة ومعالجة طلبات اللجوء أو التأشيرة.

ومنذ هذا التصريح، بدأ كثير من التونسيين إضراب جوع وحشي للمطالبة بنقلهم إلى الأراضي الإسبانية في القارة.

 

مهاجرون تونسيون يخوضون إضراب جوع، يوم 25 نيسان/ أبريل. فيديو أرسله لنا مراقبنا.

"نخاف من الترحيل بشكل سري بالتواطؤ مع بلدنا"

سعيد (اسم مستعار) هو شاب تونسي مهاجر وصل إلى مركز استقبال المهاجرين المؤقت (سيتي) في مليلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

ويتخوف من أن يتم ترحيله قسرا إذا لم ترفض تونس المشروع الإسباني للترحيل. ويستنكر سعيد أيضا التعامل العنيف من قبل أعوان الأمن في المركز.

 

نحن نرفض القرار أحادي الجانب للحكومة الإسبانية، التي لا تملك الحق في ترحيلنا بالقوة. أعلم أنه في حال رفض مطلب اللجوء، لدينا الحق في "السماح بالعبور"، وهو إشعار بمغادرة البلاد صالح لمدة ثلاثين يوما.

وفي كانون الثاني/ يناير، قمنا بمسيرة احتجاجية ضد مشروع الترحيل. لم يأت أحد للتحاور معنا: لا من السلطات الإسبانية ولا من السلطات التونسية. وفي نفس الشهر، جاء القنصل التونسي من مدريد ووعدنا بالتكفل بوضعنا. ومنذ ذلك الوقت، لم يصلنا أي جديد يُذكر، لأن التنقل أصبح مستحيلا بسبب جائحة كوفيد-19.

وفي 25 نيسان/ أبريل، خضنا إضراب جوع، حتى أن بعض المهاجرين خيطوا أفواههم في حركة احتجاجية. نحن متخوفون من الترحيل بشكل سري بالتواطؤ مع بلدنا.

ومنذ بداية الحجر الصحي العام، استقبل المركز ألفين ومائتي مهاجر، معظمهم من التونسيين. وبالنسبة إلى سعيد ورفاقه، فإن المهاجرين التونسيين يعانون من الإهمال من قبل المركز: ففي فترة الإضراب عن الطعام، تدهورت الحالة الصحية لمهاجريْن تونسييْن بشكل كبير. ولم يتمكنا من الاتصال بسيارة الإسعاف واضطرا إلى الذهاب إلى المستشفى على متن سيارة أجرة، قبل أن يتم إيواؤهما في المستشفى. ويقول سعيد :"إنه ببساطة وضعنا اليومي".

 

 

في الأعلى، مهاجرون تدهورت حالتهم الصحية خلال خوضهم لإضراب جوع (صور وصور شاشة). في الأسفل، سيارة الأجرة التي طلبها المهاجرون تصل إلى أبواب المركز، في ظل عدم وجود سيارة إسعاف. صور أرسلها لنا مراقبنا.

 

"الموت يترصدنا داخل المركز وخارجه"

 

نحن نتعرض أيضا إلى إستفزازات أعوان المركز: فعلى سبيل المثال، قام أحدهم بالاعتداء على مهاجر بعصا، موجها له الشتائم. نشرنا مقطع الفيديو على موقعي فيس بوك وواتساب، وتداولتها وسيلة إعلام محلية، لكنها حذفتها بعد بضعة أيام. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الاعتداءات ممنهجة ومتكررة، كما أن هواتفنا مراقبة بشدة.

مقطع مصور اُلتقط يوم 11 أيار/ مايو، أرسله لنا مراقبنا. ونسمع من خلاله عون المركز يشتم مهاجرا ''بابن العاهرة"

 

ويؤكد مراقبنا أن التونسيين يُعاملون بطريقة مختلفة: حيث أنهم لا يملكون الحق في بعض أنواع العلاج من مستوصف المركز.

 

منذ بداية إنهاء الحجر الصحي الشامل، نخرج في بعض الأحيان من المركز لقضاء حوائجنا ولكننا نتعرض للسرقة على يد العصابات التي تحتل الوادي. وتعرض أحدنا للطعن خلال شهر رمضان، وهو شخص كبير في السن نسبيا. ولكن عندما حاولنا تقديم شكوى، قالت لنا الشرطة المحلية أنه ليس أمامنا سوى الدفاع عن أنفسنا. لم نعد نتجرأ على الخروج من المركز بعد هبوط الليل. وحتى في وضح النهار، أقوم بشراء أغراضي برفقة خمسة أشخاص لضمان مزيد من الأمان. الموت يترصدنا داخل المركز وخارجه.

هذا دون الحديث عن المخاطر الصحية المرتبطة بجائحة كوفيد-19: إذ أننا ننام بعدد يتراوح ما بين 300 و350 شخصا في حجرة واحدة. حتى أن بعضنا ينام في العراء للحد من الاكتظاظ.

وللحصول على الأكل، يمكن أن نقف في الصف لمدة ساعة أو أكثر. الإدارة لا تعلمنا عن مصيرنا. هنا، توجد عائلات وأشخاص مسنون يعانون من أمراض مزمنة. ومع جائحة كوفيد-19، لم يتم اتخاذ أي إجراء خاص لحمايتهم.

للحصول على الطعام أو دخول المستوصف أو أي خدمة أخرى، يضطر مهاجرو مليلية إلى الوقوف في صفوف طويلة من دون احتياطات صحية. صور أرسلها لنا مراقبنا.

يندد هذا المستخدم على تويتر :"(...) بدلاً من إجراء نقل عاجل إلى شبه الجزيرة بسبب اكتظاظ المركز (وزير الداخلية) يعلن الطرد الجماعي وسط جائحة وبائية !"

"يبدو أن إسبانيا تريد 'إبلاغ رسالة' إلى القادمين الجدد"

وفي سنة 2018، اتخذت بعض الدول الآوروبية إجراءات أكثر صرامة لمراقبة الوضع في حوض البحر الأبيض المتوسط. وفي إيطاليا، الوجهة الأولى للمهاجرين الذين يعبرون المتوسط، توصلت السلطات إلى إمضاء اتفاقيات ثنائية، تُمكّن من ترحيل وإجلاء المهاجرين اللانظاميين باتجاه تونس. وحسب المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فإن ألفين ومائتي تونسي تم ترحيلهم بمقتضى هذه الاتفاقية من إيطاليا  في سنة 2018. وهو ما جعل هؤلاء المهاجرون يسلكون طرقا أخرى للهجرة عبر المغرب.

ويشرح رمضان بن عمر، المسؤول عن الاتصال في المنتدى، الوضع قائلا:

 

في البداية، عندما بدأ التونسيون بسلك طريق المغرب، كانت السلطات الإسبانية تستقبلهم في المركز المؤقت لاستقبال المهاجرين "سيتي" في مدينة مليلية، وذلك لأنهم لم يكونوا يتوقعون هذا الحجم من التدفق. بعد ذلك، مكنتهم من حق العبور ليتمكنوا من الذهاب إلى أوروبا.

وفي سنة 2018، عبر 586 تونسيا الحدود بهذه الطريقة. وفي 2019، صعد هذا الرقم إلى 1246 مهاجر.

وحسب رمضان بن عمر، فإن السلطات الإسبانية تنتهج استراتيجية معينة من خلال ترك التونسيين عالقين في مركز الاستقبال "سيتي" في مليلية:

 

أولا، تريد إسبانيا "إبلاغ رسالة" إلى القادمين المقبلين من خلال إظهار المعاملة التي تنتظرهم في عين المكان في مليلية. بعد ذلك، فإن الهدف يكمن في خلق أزمة إنسانية للضغط على الدبلوماسية التونسية تدفع نحو إمضاء اتفاقيات مشابهة لتلك التي تم إمضاؤها بين تونس وإيطاليا أو بين إسبانيا والمغرب. من جهة أخرى، تمت مصادرة جوازات سفر تونسية، وهو تصرف غير قانوني من قبل السلطات الإسبانية في هذا الظرف.

كما أن هنا عامل قلق آخر لدى رمضان بن عمر: وهو الوضع المرتبط بمرض كوفيد-19، في الوقت الذي طالبت فيه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وفرع منظمة العفو الدولية في إسبانيا صراحة السلطات بإطلاق سراح المهاجرين خلال فترة الجائحة.

 

تُعتبر إسبانيا من أكثر البلدان تضررا من فيروس كورونا. وبالرغم من ذلك، فإن السلطات الإسبانية لم تتخذ أي إجراء ظاهر للعيان في هذا المركز.  بل أسوأ من ذلك، حيث وضعت السلطات حياة المهاجرين في خطر أكبر من خلال ملئ المركز. نحن نعتبر أن المهاجرين يتم استخدامهم اليوم كورقة ضغط في المفاوضات الدبلوماسية، على اعتبار أنهم رهائن قبل أمضاء اتفاقية في المستقبل.

تدعو النائبة الاسبانية اليسارية ماريا دانتاس في هذا الفيديو على حسابها في فيس بوك السلطات إلى إلغاء مشروع الترحيل القسري وإلى نقل الناس الضعفاء إلى شبه الجزيرة الإسبانية.

 

واتصل فريق تحرير مراقبون بمركز استقبال المهاجرين المؤقت لكن لم يتحصل على رد إلى حدود يوم الإثنين 8 حزيران/ يونيو. وسنقوم بنشر الرد حال وروده.

 

حررت هذا المقال فاطمة بن حمد.