مصر

لماذا لم يُحدث مقتل قبطيين على يد رجل شرطة ضجة في الإعلام المصري؟

صورة
صورة
إعلان

في 12 ديسمبر/كانون الأول، قتل شرطي مصري أبا وابنه –وهما قبطيان- في محافظة المنيا (مصر الوسطى)، لكن الخبر لم ينتشر في وسائل الإعلام المصرية. صمت لا يفسره إهمال بقدر ما يترجم مراعاة للخطاب الرسمي حول الأقليات، بحسب مراقبنا، في بلد باتت فيه الصحافة مكبلة.

ودع أقباط مصر –وبخاصة أقباط المنيا- أواخر سنة 2018 بمرارة. ففي 2 نوفمبر/تشرين الثاني، تعرضت حافلة تنقل حجيجا لدير الأنبا صموئيل لهجوم تبناه تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأسفر عن مقتل سبعة أشخاص وجرح 19 آخرين. وقد عبر الأقباط ومنهم رجال دين عن غضبهم إثر هذا الهجوم لأنه الثاني من نوعه على نفس الطريق، بعد هجوم مايو/أيار 2017 الذي تسبب في مقتل 29 شخصا.

بعد أقل من شهر ونصف في مينيا (التي تقع على بعد 245 كيلومترا جنوب القاهرة)، قتل عاملا بناء قبطيان، هما عماد المقدس (49 سنة) وابنه دافيد، بعد تعرضهما لإطلاق نار من قبل شرطي... كان يحرس كنيسة الحي.

فيديوهان يوثقان هذه الحادثة: أولهما لكاميرا مراقبة وقد صورت المشاهد من الشاشة بواسطة هاتف جوال، حيث يمكن رؤية الشرطي وهو يطلق النار على الرجلين. والثاني صوره أحد سكان الحي من منزله في إحدى العمارات. وقد ادعى الشرطي في الفيديو الثاني أن الرجلين حاولا أخذ سلاحه، بيد أن صور كاميرا المراقبة تفند قوله. في الحقيقة، أطلق الشرطي النار بسبب انفعاله بعد اشتباك لفظي مع ضحيتيه.

الفيديو الأول، حيث يظهر الشرطي في أعلى الشاشة على اليسار وهو يتحدث للابن قبل وصول الأب في الدقيقة الأولى و35 ثانية.

الفيديو الثاني الذي صور إبان القتل، حيث تظهر الضحيتان طريحتا الأرض. في الثانية 25، يقول الشرطي: "أرادا أخذ سلاحي!"

هجوم نوفمبر حظي بتغطية إعلامية ونددت به شخصيات رسمية، من بينها نواب ووزراء، وبعضها حضر مراسم الدفن. لكن الأمر كان مختلفا بالنسبة لهذه الجريمة، إذ لم تتحدث عنه سوى وسائل الإعلام القبطية، مثل قناة Mesat TV، باستثناء قناة الشرق التي تبث من خارج مصر. أما بعض المواقع الإعلامية التي تحدثت عنه، فقد انتظرت إحالة الشرطي إلى المحكمة من قبل النائب العام في 18 ديسمبر/كانون الأول –إحالة يرجعها البعض إلى انتشار الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي- للتطرق إلى الخبر، وقد اكتفت بالإعلام عن البيان.

بيان النائب العام.

لكن في تغريدة له نشرها غداة الجريمة، صرح الأنبا ماكاريوس، وهو أسقف المنيا:

"لا مصلحة للسيسي في انتشار هذا النوع من الأخبار"

مينا ثابت ناشط قبطي يعيش في لندن وهو مدير برنامج الأقليات الدينية باللجنة المصرية للحقوق والحريات، وهي منظمة غير حكومية مصرية، مقرها القاهرة، علقت نشاطاتها بعد تعرضها، كغيرها، لمضايقات واعتقال البعض من عناصرها من قبل الشرطة. وبالنسبة له، فإن هذا الصمت لا ينبع من إهمال، بل هو يظهر طريقة تعامل السلطة مع مسألة العنف ضد الأقباط:

منذ وصوله إلى السلطة، قدم عبد الفتاح السيسي نفسه على أنه منقذ مصر والمصريين من الإرهاب والتطرف الديني. وهي صورة يحرص عليها في الخارج لضمان دعم الدول الغربية له، وكذلك في الداخل ليضمن دعم الأقباط الذين تعرضوا لكثير من الهجمات منذ 2011. السيسي يقول إنه رئيس كل المصريين ويجعل المصريين يعتقدون أن الفوضى ستعم من دونه. لذلك، فإن انتشار هذا النوع من الأخبار لا يصب في مصلحته، وهو يستعمل رقابته على الإعلام للتأكد من ذلك".

فعلا، ومنذ 2013، لم يتوقف وضع وسائل الإعلام المصرية عن التدهور، لا سيما بعد قانون مكافحة الإرهاب لأغسطس/آب 2015، والذي يجبر الصحافيين على الالتزام بالخطاب الرسمي أثناء تغطيتهم للهجمات الإرهابية. كذلك، فإن حرية التعبير في تراجع مستمر، حتى أن منظمة "مراسلون بلا حدود" تصف مصر بـ"أحد أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحافيين".

"هذه الحادثة تكذب الخطاب الرسمي حول حماية الأقليات"

الإرهاب يمس الكثير من البلدان في العالم، ومصر ليست استثناء. لكن في هذه الحالة، فإن الأمر يخص ممثلا عن الدولة، وهذا يكذب الخطاب الرسمي حول حماية الأقليات.

صحيح أن السلطات الدينية لم تجعل من الموضوع مشكلة دينية، لأن هذه الجريمة هي نتيجة شجار شخصي بين الشرطي والرجلين. لكن إذا نظرنا للأمر اجتماعيا، يبدو لي من الواضح أن البعد الديني لعب دورا هنا. فمنطق الهيمنة يلعب دورا في مسألة العنف الاجتماعي، لذلك فليس من الصدفة أن يكون هذا العنف هنا من فعل ممثل عن الأغلبية –رجل مسلم- ضد أفراد من الأقلية، خاصة وأن الأول ممثل للسلطة".

سارة قريرةArticle a été rédigé par Sarra Grira.