جيبوتي

جيبوتي: معاناة مهاجرين إثيوبيين منسيين في طريقهم إلى اليمن

يسارا يظهر مهاجرون يغادرون اليمن وقد أوقفتهم قوات خفر السواحل الجيبوتية. ويمينا يظهر مهاجر ممدد في شارع من شوارع تاجورة ويبدو أنه مصاب بالكوليرا أو الإسهال الحاد. الصور نشرت على فيس بوك.
يسارا يظهر مهاجرون يغادرون اليمن وقد أوقفتهم قوات خفر السواحل الجيبوتية. ويمينا يظهر مهاجر ممدد في شارع من شوارع تاجورة ويبدو أنه مصاب بالكوليرا أو الإسهال الحاد. الصور نشرت على فيس بوك.
إعلان

لقي عشرات المهاجرين الإثيوبيين في جيبوتي حتفهم بسبب الكوليرا في حزيران/يونيو 2018. يمر طريق هجرتهم من القرن الأفريقي حيث تقع دولة جيبوتي الصغيرة التي يتجهون منها إلى اليمن -رغم الحرب الدائرة هناك- وكذلك إلى السعودية. وعلى طريق هجرتهم، من لم يمت بالجوع والعطش عليه في أغلب الأحيان أن يتوقف في مدينة أوبوك الجيبوتية حيث ينتظر المهاجرون دورهم لعبور البحر الأحمر. وحالما يصلون إلى اليمن، فإن الكثير منهم يجدون أنفسهم أمام "السيناريو الليبي"، إذ يتعرضون للخطف على يد مهربين يعذبونهم ويغتصبون النساء بغرض طلب فدية من الأسر. مراقبونا ينددون بوجود كارثة إنسانية نسيها العالم.

في الأسابيع الأخيرة، شعر الجيبوتيون بالذعر من عودة الكوليرا وحالات الإسهال الحاد في مدينة أوبوك (شمالا)، حيث يمر المئات من المهاجرين كل أسبوع قبل التوجه إلى اليمن، البلد الجار، وأماكن عبور مختلفة تقع أساسا في الجهة الغربية.

ولقد نشروا عبر شبكات التواصل الاجتماعي العديد من الصور والفيديوهات توثق هذه الأزمة في الصحة العامة. فريق "مراقبون" ارتأى تظليل هذه الصور حرصا على كرامة الأشخاص الظاهرين فيها.

خريطة عبور المهاجرين من إثيوبيا إلى اليمن مرورا بجيبوتي وردت في تقرير لمؤسسة الدراسات الأمنية.

 

مهاجرون إثيوبيون "أنهكتهم الكوليرا"

رجل محمول على ما يشبه نقالة في شارع بمدينة أوبوك في حزيران/يونيو 2018.

هذا الفيديو صوره مراقبنا الجيبوتي حسين محمد حامد غانيتو.

 

صورت هذا الفيديو الصادم خلال شهر رمضان. كان هذا الرجل يعاني من مرض الكوليرا. لقد ذعر مجتمعنا لأن عدوى هذا المرض شديدة جدا.

الكوليرا مرض شديد العدوى يتسبب في حالات إسهال حادة ناجمة عن الاتصال عن طريق الفم بالماء أو الأغذية الملوثة بالبراز. وإذا لم يعالج المصاب بهذا المرض، يتعرض للموت.

العديد من المهاجرين مصابون بالكوليرا، وفقا لمراقبينا الذين وردتنا منهم هذه الصور.

وفي بيانصدر في 21 حزيران/يونيو، قالت حكومة جيبوتي إنها سجلت "إصابة عدة مهاجرين بحالات إسهال حاد" وأعربت عن أسفها "لوفاة بعض المهاجرين". ووصفت كل من الحكومة والمنظمة الدولية للهجرة هذه الحالات بأنها حالات "إسهال حاد"، وعللت ذلك بأن الكوليرا لم تظهر في الفحوص المخبرية. وفي عام 2017، تم الإبلاغ عن حالات إسهال حاد وكوليرا في مدينة أوبوك، حسب ما جاء عن الوسيلة الإلكترونية ميدل إيست آي.

ويرى سكان أوبوك الذين اتصل بهم فريق تحرير "مراقبون" أن ما بين 30 و50 مهاجرا وما لا يقل عن ثلاثة أشخاص قد ماتوا، حسب رأيهم، بسبب الكوليرا في حزيران/يونيو. ولكن لا يمكن تأكيد هذه الأرقام. وقد اتصلت فرانس24 بالمركز الطبي الاستشفائي في أوبوك ولكنه رفض الكشف للعلن عن عدد الوفيات.

"المهاجرون يموتون من الجوع والعطش"

مراقبنا في جيبوتي مهرب سابق. اسمه أحمد محمد كامل وقد ترك التهريب، وهو اليوم يقوم بعدة وظائف صغيرة على أمل إقامة مشاريع لمساعدة المهاجرين. وهو يرى أن المشكلة الرئيسية تكمن في "تخلي الدولة عن المهاجرين."

المهاجرون الوافدون أساسا من إثيوبيا [هيئة التحرير: 80% على الأقل] يصلون إلى أوبوك بعد أن يعبروا منطقة صحراوية لمسيرة أيام عديدة، حيث درجة الحرارة تتجاوز عادة 50 درجة. وحول بحيرة العسل [هيئة التحرير: المنطقة الواقعة بين الحدود الإثيوبية وأوبوك]، يمكن العثور بانتظام على جثث وعظام بشرية... تكون لمهاجرين ماتوا من الجوع و/أو العطش. العشرات يموتون بهذه الطريقة سنويا.

مجموعة صغيرة من المهاجرين يتلقون المساعدة من المجتمع المدني في أوبوك الذي يتولى بانتظام توزيع الأغذية والمياه على المهاجرين على جنبات الطرقات. وقد التقط مراقبنا عمر حسن حميد الصور بين تاجورة وأوبوك في 18 تموز/يوليو 2018.

 

من يصلون إلى أوبوك ينتظرون أخذ القارب نحو اليمن في حي فانتيهيرو الفقير. هناك ينامون تحت الأشجار أو في ملاجئ مؤقتة. كثيرون خدعهم المهربون ونفد مالهم.

مخيم عشوائي للمهاجرين الإثيوبيين تحت الأشجار في فانتيهيرو بالقرب من أوبوك. التقط الصورة مراقبنا في حزيران/يونيو 2018.

وجبة غذائية أعدها مراقبنا ثم وزعها في نهاية حزيران/يونيو 2018 على مجموعة من المهاجرين المتوقفين في فانتيهيرو بالقرب من أوبوك.

 

إنهم يعتمدون على مساندتنا من أجل البقاء على قيد الحياة، فالدولة لا تفعل شيئا. رغم فقرنا [هيئة التحرير: جيبوتي واحد من أصل خمسة يعيشتحت خط الفقر]، فإن كثيرين منا يتقاسمون وجباتهم مع المهاجرين.

قليلة هي المنظمات غير الحكومية في جيبوتي التي تعمل على مساعدة هؤلاء المهاجرين. وقد غادرت المنطقة منظمات مثل منظمة مكافحة الجوع ومنظمة أطباء بلا حدود على التوالي في أيار/مايو 2018 وفي عام 2012. وتهتم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بشكل رئيسي باللاجئين اليمنيين الوافدين إلى جيبوتي هربا من الحرب في بلدهم والذين يتم استقبالهم في مركز مخصص لذلك في مدينة أوبوك.

وهناك، يُعنى كل من الهلال الأحمر الجيبوتي والمكتب الوطني لتقديم المساعدة للاجئين والمنكوبين(وهي منظمة حكومية) والمنظمة الدولية للهجرة بإعادة توطين المهاجرين الراغبين داخل بلدهم وتتكفل هذه الجهات المذكورة بالجثث التي يتم العثور عليها في جنبات الطرقات. وتتولى المنظمة الدولية للهجرة إنشاء وحدات دعم نفسية للعائدين من اليمن الذين تعرضوا لصدمة وجلسات توعية حول مخاطر الهجرة.

جثث المهاجرين التي عثر عليها في الطريق بين إثيوبيا واليمن بتواريخ غير محددة. صورة مأخوذة من فيديو أنجزه مكتب المنظمة الدولية للهجرة في جيبوتي.

"كثيرون لا يعرفون بوجود حرب في اليمن"

العديد من الأطفال يعبرون أيضا (11%)، ولكن الغالبية العظمى منهم رجال كبار (70%). ويتحسر مراقبنا على قلة الإمكانيات لتوفير الطعام والمياه لهؤلاء الأشخاص وإيوائهم.

أنحاء أوبوك حيث ينتظر المهاجرون قبل الذهاب إلى اليمن. التقط الصورة مراقبنا في حزيران/يونيو 2018.

 

معظم هؤلاء المهاجرين يهربون من إثيوبيا بحثا عن حياة أفضل في المملكة العربية السعودية. ويقول الكثير منهم إنهم يفرون من بلادهم لأسباب سياسية. وهذا حال الأوروموس[هيئة التحرير: إثنية ترى نفسها مهمشة ومضطهدة من الحكومة].

أغلبيتهم من المناطق القروية الفقيرة، تعليمهم قليل والكثير منهم لا يعرفون بوجود حرب في اليمن. والمهربون يكذبون عليهم فيقولون لهم إن كل شيء على ما يرام وإن الطريق آمن. وهناك آخرون يعرفون بوجود الحرب، لكنهم يائسون ويسلمون أمرهم بيد الله. ولا يتوانى بعض المهربين عن استغلال سذاجتهم. فيأخذونهم إلى أوبوك مثلا، لكنهم يوهمونهم بأنهم قد وصلوا بالفعل إلى اليمن ويأخذون كل أموالهم. ولأنهم لا يعرفون أن الوصول إلى اليمن يكون عن طريق عبور البحر، فمن السهل النصب عليهم.

خطف وتعذيب واغتصاب

كل شهر، تحدد المنظمة الدولية للهجرة هوية 10 ألف مهاجر على الأقل، معظمهم من الإثيوبيين، في جيبوتي. وفي البحر الأحمر وخليج عدن الذي يفصل بين جيبوتي واليمن، تكثر حوادث غرق العبّارات. وعلى مدى العقد الماضي، مات نحو 3500 شخص أثناء العبور، حسب المنظمة الدولية للهجرة. في أيار/مايو 2018، سجلت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 25 ألف عابر في جيبوتي. أما في عام 2016، فقد سجل مجلس اللاجئين الدانماركي في اليمن 117107  وافد غير شرعي.

 

قارب مملوء بالمهاجرين نحو اليمن اعترضته قوات خفر السواحل الجيبوتية في خور أنجار في ليلة 14-15 أيار/مايو 2018. نشرت الصور على صفحتهم على فيس بوك.

ووفقا لتقارير وردت من منظمات غير حكومية مثل هيومن رايتس ووتش ومؤسسة الدراسات الأمنية وكذلك شهادات المهاجرين التي جمعها مراقبونا، فإن المهاجرين الوافدين إلى اليمن تعرضوا بشكل ممنهج تقريبا للخطف. إذا لم يتمكنوا من دفع فدية قيمتها نحو 300 يورو، فإنهم يتعرضون للتعذيب والاغتصاب. وتستمر هذه المحنة حتى توافق عائلاتهم على دفع مبلغ الفدية، إذ يتصلون بها عبر الهاتف لتشاهد تلك الفظاعات. ويتم توظيف بعضهم الآخر جنودا مرتزقة أو إجبارهم على العمل الشاق.

وهذا يذكر بما يتعرض له المهاجرون في ليبيا الذين يسعون للوصول إلى أوروبا.

>> تقرؤون على موقع مراقبون : مهاجرون مستعبدون في ليبيا (ج1): "لقد اختطفوني وباعوني ورموني في السجن"

إذا دفعت الفدية، يتعين عليهم أيضا دفع مبلغ بين 550 و700 يورو للذهاب إلى المملكة العربية السعودية. وعدد قليل جدا منهم تمكنوا من الوصول إلى هذا البلد. ووفقا للتقديرات الحذرة التي أوردتها مؤسسة الدراسات الأمنية، فإن مداخيل تهريب المهاجرين على طول الطريق بلغت 3,8 مليون يورو في عام 2016.

 

حركة تهريب منظمة انطلاقا من اليمن

كيف يتم تنظيم حركة التهريب هذه؟ ووفقا لأحد المتخصصين في هذه المسألة اتصلت به فرانس24 ولم يشأ الكشف عن هويته، فإن طريق الهجرة الذي يسلكه المهاجرون الإثيوبيون هو "شبكة إقليمية تدار من اليمن".

 

هناك في إثيوبيا كبير مهربين يرسل المهاجرين إلى جيبوتي. وهو يوظف أشخاصا "لإغراء المهاجرين" في القرى والأسواق، فيزينون هم الهجرة عبر قصص عن نجاح غيرهم وبلوغهم مرتبة اجتماعية مرموقة في المملكة العربية السعودية. وبالطبع لا يتحدثون أبدا عن الحرب في اليمن.

جيبوتي أصبحت منطقة عبور للمهاجرين، ومسؤولية المهربين فيها أقل وهم يتقاضون أجورا أقل من الآخرين. وحسب معلوماتي، فإن "رأس المهربين الأكبر" مقيم في اليمن، ومن هناك يعاد توزيع الأموال على مختلف المهربين في إثيوبيا وجيبوتي.

"المهربون هم من الشباب العاطلين"

مراقبناأحمد محمد كامل مهرب ترك التهريب وقد استطاع الاطلاع على هذا النظام من الداخل وهو يؤكد وجود شبكة واحدة موزعة بين الدول الثلاث.

المهربون في أوبوك في الغالب من الشباب العاطلين في العشرينات من العمر. وللخروج من دائرة البطالة امتهنوا هذه التجارة المربحة جدا. عندما كنت أعمل مثلهم كنت أكسب 1,5 مليون فرنك جيبوتي شهريا [هيئة التحرير: نحو 7200 يورو، علما أن متوسط الراتب في جيبوتي يبلغ نحو 90 يورو في الشهر). لكنني توقفت عندما بدأت الحرب في اليمن.

اليوم، يمكنني الحديث عن وجود ما بين 20 و25 مهربا في أوبوك. هناك آخرون في تاجورة [بلدة مجاورة تبعد 60 كيلومترا عن أوبوك]، لكنني لا أعرف عددهم.

ويستمر تهريب المهاجرين في جيبوتي في الوقت الذي تعد فيه البلاد واحدة من الدول القلائل التي يسودها الاستقرار والسلم في المنطقة. ويمكن أن تعزى هذه الظاهرة إلى "رغبة الحكومة في شراء السلم الاجتماعي"، حسب الخبير في هذا الشأن الذي قابلته فرانس24.

ويعد شمال جيبوتي [حيث تقع مدينتا أوبوك وتاجورة] منطقة فقيرة تعيش فيها إثنية عفر (إثنية تمثل 35% من السكان) ويشعر أفرادها بالتمييز. وهذا الشعور بالظلم أدى إلى حرب أهلية في تسعينيات القرن الماضي. علما أن حركة التهريب هذه يعيش منها الكثير من الناس وأن المهربين يوزعون بسخاء دخلهم على المجتمع المحلي في مناسبات كالأعراس والجنازات والأعياد الدينية وأن ثنيهم عن ذلك يمكن أن يخلق حالات من التوتر.

ولقد اتخذت الدولة بعض التدابير في الآونة الأخيرة. ففي العام 2016، عندما قُتل عنصرين من الدرك برصاص المهربين، تم التصويت على قانون يعاقب تهريب المهاجرين بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات. بالإضافة إلى ذلك، وضعت حواجز طرقية وزادت دوريات قوات خفر السواحل لاعتراض المراكب المتجهة إلى اليمن.

لكن المهاجرين، بما في ذلك عشيرة أوروموس، ما زالوا يجربون حظهم. ففي شهر تموز/يوليو، كان يتكدس كل ليلة 150 شخصا منهم على متن مراكب سريعة من الخشب باتجاه اليمن مخاطرين بحياتهم.

حررت هذا المقال ليزلوت ماس. ترجمة: عائشة علون.