المغرب

مدرس في قرية مغربية بمنطقة الريف يرمم مدرسته ويسعد تلاميذه

هشام الفقيه ومبادراته في مدرسة قرية تافساست. الصورة: فيس بوك
هشام الفقيه ومبادراته في مدرسة قرية تافساست. الصورة: فيس بوك
إعلان

في المناطق القروية المغربية، نادرا ما تتجاوز نسبة المسجلين بالمدارس 50%. فتصبح هذه المهنة بالنسبة للمدرسين المنقولين إلى تلك الأقاليم ضربا من التحدي. وهذه حال هشام الفقيه الذي قاده فرز الوزارة في أيلول/سبتمبر 2018 إلى بلدة تافساست الصغيرة شمال المغرب فقرر أخذ زمام المبادرة وإدخال بعض البهجة على الحياة اليومية لتلاميذه.

على بعد بضع كيلومترات من الحسيمة تقع قرية تافساست في قلب سلسلة جبال الريف. هشام الفقيه لم يكن من المفترض أن يدرس هناك، لكن وزارة التعليم فرزته للتدريس في مدرسة ابتدائية في تلك القرية في أيلول/سبتمبر 2017. ورغم نقص الإمكانيات، وضع نفسه أمام تحدي ترميم مدرسة القرية.

هشام ذو الـ33 عاما خريج كلية الحقوق تخصص قانون عام وحاصل على شهادة عليا في مجال "الطفولة والعدالة من أجل القاصرين" من جامعة طنجة. وفي أيلول/سبتمبر 2017، أرسل مدرسا في مدرسة ابتدائية بقرية في منطقة الريف شمال البلد. في هذه "الدوار"، وهو تجمع سكاني من نحو مئة نسمة، أكثرهم أطفال غادروا المدرسة ليعملوا في الزراعة ويساعدوا أسرهم بكسب الرزق. ويحلم هذا المدرس الشاب بأن يجعل هؤلاء الأطفال يعودون إلى المدرسة.

هشام أثناء رحلة مدرسية مع تلاميذه "بحثا عن الماء". الصورة: فيس بوك

"إذا الدولة أهملت، فعلى المواطنين أن يأخذوا المبادرة"

عندما وصل هذا المدرس الشاب إلى المدرسة المهجورة والمتدهورة، أخذ في البداية يصرف من مدخراته:

عندما وصلت هنا صدمت. أنا "ابن المدينة" كما نقول عادة. ولم أعمل أبدا في القرى من قبل. أنا ومدرس آخر أخذنا القاعة الثالثة في المدرسة لنسكن فيها فقررنا إصلاح القاعتين الأخريين".

"معظم التلاميذ اعتادوا على أساليب الضرب بالمسطرة والأحزمة الجلدية"

لقد قرر المدرس أولا ترميم قاعات الدرس:

دهنت قاعات الدرس بألوان زاهية وصلحت الطاولات وحاولت تزيين الجدران قدر المستطاع وأعدت ترتيب الطاولات في شكل حرف U لتحفيز تلاميذي على التحاور".

هشام يدهن طاولات مدرسته، تشرين الأول/أكتوبر 2017. الصورة: فيس بوك

ثم بدأ بتغيير أساليب التدريس بغرض إقامة علاقة ثقة بينه وبين تلاميذه.

معظم التلاميذ اعتادوا على أساليب الضرب بالمسطرة والأحزمة الجلدية. هذه هي الطريقة التي يتبعها المدرسون في القرى كي يطيعهم التلاميذ. أردت اتباع نهج تربوي وكسر هذا الأسلوب القديم. فعندما يكون التلاميذ مشاغبين أو عندما يرفض بعضهم الإصغاء إلي، فأنا أفضل الحوار بدلا من الصراخ. أطلب من الأطفال الخروج لكي يروحوا عن أنفسهم قليلا..ثم أحاول التحاور معهم لاحقا. وأنظم جلسة حول وجبات خفيفة وبعض الأغاني بعد الظهر حتى لا يكون نهارهم كله مملا بالدروس".

كل صباح، يستقبل هشام تلاميذه بطريقة مصافحة مسلية. الصورة: فيس بوك.

يقول إنه استلهم من "أساليب التدريس اليابانية والكورية"، فاشترى فرشا ومعجون أسنان لتلاميذه وكانت فرصة لتوعيتهم بقواعد السلامة الصحية والنظافة.

بعض التلاميذ لا يعرفون حتى الأمور الأساسية كغسل الأسنان وغسل اليدين بعد الأكل. إنهم يجهلون تماما معنى السلامة الصحية والنظافة للجسم. وأنا أطلب منهم غسل أيديهم بعد الأكل وفي الصباح عندما يصلون إلى المدرسة. وأحيانا أتحول إلى حلاق أيضا!"

المدرس الشاب وضع فرش الأسنان رهن إشارة تلاميذه. الصورة: فيس بوك.

هشام يحمل آلة حلاقة الشعر والمقص ويحلق لتلاميذه. الصورة: فيس بوك

وأمام صعوبة توفير المياه، قرر هذا المدرس الشاب أن يعمل يدا بيد مع تلاميذه.

نظمت رحلات في القرى المجاورة وفي بلدات صغيرة أخرى لكي أتيح لهؤلاء التلاميذ الذين لم يخرج أغلبهم من قريته أبدا أن يروا أشياء جديدة. وأحيانا نذهب سويا لجلب الماء من أقرب الآبار. وقد نقبنا تدريجيا ثم حفرنا بئرا قرب المدرسة بمساعدة كل القرية.

هشام حفر بئرا بمساعدة أهل القرية. الصورة: فيس بوك.

 

" أكثر ما أخشاه هو أن يتوقف الأطفال عن القدوم إلى المدرسة"

 

اتصلت بمدرسين آخرين وبجمعيات حماية الطفولة وكان هدفي أن أحصل على تبرعات من أشخاص من خارج المدرسة لكي يتسنى لنا القيام بأنشطة أكثر. ولكن أكثر ما أخشاه هو أن يتوقف الأطفال عن القدوم إلى المدرسة. الكثير منهم اعتادوا على هجر المدرسة في منتصف السنة الدراسية للعمل في المدن أو في الحقول بهذه الولاية".

وظاهرة ترك المدرسة شائعة في المناطق القروية المغربية، إذ تصل النسبة في قرى شمال المغرب إلى 60 بالمئة من التلاميذ. ويرى الأهالي أنه من الأجدى أن يظل الأطفال في البيت للمساعدة في حقل العائلة حيث يقومون بأشغال متعددة فيهتم الذكور بالرعي والإناث بالأعمال المنزلية، ويفضل الأهل هذا على إرسال أولادهم إلى المدارس. ولقد حاولت الحكومة المغربية تغيير هذا الوضع.

وفي 2017، قام المجلس الأعلى للتعليم المغربي بخطة إصلاحات لتحسين ظروف التعليم في المدارس القروية. لكن هذه المدارس ما زالت في وضع بدائي. وصحيح أن أغلبية المدارس القروية فيها تيار الكهرباء، غير أن 56,3 بالمئة ما زالت غير مزودة بالماء الصالح للشرب و93,3 بالمئة ليست موصولة بشبكة الصرف الصحي، حسب إحصائيات وزارة التعليم المغربية. وما زالت ظروف استقبال التلاميذ كئيبة تحد من أي مبادرات.

واليوم وضع المدرس هشام لنفسه تحديا آخر هو بناء مراحيض. والخطوة القادمة قد يدعمها المجتمع المدني. فبعد نشر هذه الصور والفيديوهات أطلقت جمعية مغربية اسمها "جميعا ضد الهدر المدرسي" نداء لجمع التبرعات من أجل تمويل بناء مراحيض داخل المدرسة.

ترجمة: عائشة علون