المملكة العربية السعودية: التحرش الجنسي يومي وبدون عقاب
نشرت في:
رجل يضايق سيدة فتلتفت لتصفعه صفعتين...هذا ما ظهر في فيديو نشر في 11/10//2016، إذ تظهر سيدة تدافع عن تفسها بقوة بعد أن تعرضت لتحرش جنسي. وعلى غرار هذه السيدة هناك سعوديات يتجرأن أكثر فأكثر على مواجهة المتحرش. غير أن التحرش يظل آفة يومية. وما زال مشروع القانون لعام 2014 الرامي إلى معاقبة المتحرشين لم يدخل بعد حيز التطبيق.
لقد نشرت وسيلة إعلامية محلية هذا الفيديو الذي صور في مرآب بمدينة سعودية لم يذكر اسمها، ومدته عشرون ثانية تقريبا. وبعد أن صُفع المتحرش تعرض للضرب أيضا من رجل آخر فهرب.
هذا مشهد دارج في المملكة. والتحرش يتخذ عدة أشكال كالنظرات الملحّة والكلام القبيح أو اللمسات. وهو آفة يومية كما تقول مراقبتنا (طلبت عدم الإفصاح عن هويتها) من الرياض:
"يجب أن تفرض على المذنبين عقوبة بغرامة مالية وأن يؤثر ذلك على عملهم وأن تنشر أسماؤهم في الصحف"
المملكة العربية السعودية بلد لا يختلط فيه النساء بالرجال بتاتا. والعديد من النساء لا يشعرن بالأمان عندما يمشين في الشارع لأن الرجال لا يتعاملون بطريقة طبيعية معهن.
والنتيجة هي أن التحرش أصبح مشكلة يومية، خاصة عندما تكون المرأة في مكان مختلط. وهذا ما يحدث في مجال العمل. فإذا ضايق رجل امرأة، لن يعاقب بالتسريح من العمل، وسيكتفون على أكثر تقدير بنقله إلى منصب آخر. العادات هنا تملي على المرأة أن تتعامل مع الرجال بكثير من المجاملة وأن تحدثهم بعبارات مؤدبة وأن تظهر لهم الاحترام لكي يشعرون بالاعتزاز بنفسهم. وهذا ما أراه نوعا من التحرش، عدا الحركات غير اللائقة التي يقوم بها بعض الرجال.
لكن كما تؤكد مراقبتنا هناك نساء يتجرأن أكثر فأكثر على الرد. والعديد من الفيديوهات الرائجة عبر يوتيوب توثق لحالات العنف وردة فعل النساء ضحايا هذا العنف.
عام 2015، انتشر فيديو لسيدتين تعرضتا للتحرش من جماعة رجال في جدة وأعاد الجدل حول القانون الذي يعاقب هذا السلوك.
المشكلة هي عدم وجود قانون واضح في المملكة لمعاقبة الرجال المذنبين في حالات التحرش. ما هو العقاب إذا رمى رجل رقم هاتفه لفتاة؟ إذا لمسها؟ هل من الضروري وجود شاهد؟ هل يُسجن؟ اليوم إذا توفر الدليل على تورط الرجل -مثلا بالفيديو- فسيلقى عليه القبض وقد يسجن. لكن هذا أمر غير مؤكد، فليس هناك أي إطار قانوني محدد.
أنا أرى أنه من المهم وجود قانون صارم جدا لأن هذه التصرفات غير مقبولة. يجب أن يعاقب المذنبون بغرامة مالية وأن يؤثر ذلك على عملهم وأن تنشر أسماؤهم في الصحف. ويجب التأكد من أن يغطي هذا القانون جميع أنواع المتحرشين، حتى من ينتمي منهم إلى عائلات كبيرة مقربة من الملك.
"كثير من الناس ما زالوا يرون النساء العاملات في مكان مختلط على أنهن ساقطات"
هالة الدوسري باحثة متخصصة في النظام السعودي للصحة والتعليم. وهي أيضا مدونة وناشطة. وتناضل من أجل تحسين وضع المرأة في المملكة العربية السعودية. وهي توضح بأنه قد تمت بالفعل صياغة قانون يرمي إلى معاقبة التحرش الجنسي، لكنه لم يعتمد أبدا.وعام 2014، صاغ مجلس الشورى مشروع قانون ضد التحرش الذي تتعرض له المرأة. ويضم هذا المجلس 150 عضوا دورهم إسداء المشورة حول مشاريع القوانين إلى مجلس الوزراء وإلى الملك، وهما من يقرران فيما بعد الموافقة على تلك القوانين أم لا. المشكلة هي أن هناك جماعة ضغط محافظة جدا في مجلس الشورى وهي ترى أن هذا القانون من شأنه تشجيع المرأة على العمل في أماكن مختلطة! لذلك رُفض مشروع القانون المذكور في نفس السنة.
وحسب هالة الدوسري فإن وجود قانون أمر جوهري خصوصا أن النساء اللاتي يتعرضن للتحرش غالبا ما يقعن ضحية مرتين:
إحدى صديقاتي كانت تقوم بدورة تدريبية في مستشفى وقد لمسها طبيب في ثديها. وأرادت فضحه لكنها لم تجد أي إجراء لفضح مثل هذه الأعمال. رغم أن ذلك الطبيب معروف في المستشفى بسلوكه هذا مع الطلبة الشباب. وانتقاما لما حدث لصديقتي جاء أخوها فضرب الطبيب، لكن عائلة الفتاة قررت أن عليها التوقف عن التدريب هناك. وهذه هي المشكلة الكبيرة التي تواجهها عدة النساء. فحالما تعلم الأسرة بالتحرش تقرر غالبا منع المرأة من العمل. لذلك، فوجود قانون سيتيح الحد من التحرش في المدرسة أو الجامعة أو العمل دون أن يكون له عواقب على المرأة.
لكن الطريق نحو قانون ضد التحرش ما زال طويلا:
هذا الموضوع حساس جدا في المملكة العربية السعودية التي ما زال كثير من أهلها يرون النساء العاملات في مكان مختلط على أنهن ساقطات. وغالبا ما يقفون في صف المتحرش.
ناهيك عن الصعوبة الشديدة في شد انتباه الناس إلى وضع المرأة لأنهم يعتبرون كل محاولة لتحسين هذا الوضع بأنها "تطبّع بالغرب".
والسياق السياسي والأمني في السعودية ليس في صالح هذه القضية:
ويصعب كثيرا على الناشطين أن يناضلوا من أجل هذه القضية لأن حرية التعبير مقيدة جدا في المملكة ولا يوجد أي منفذ للمجتمع المدني للتعبير سوى عبر الإنترنت. أنا أحاول التوعية من خلال مدونتي لكن الطريقة الوحيدة لعمل الناشطين هي مغادرة البلد.
هناك بعض التغيير رغم كل شيء. في أيلول/سبتمبر، أطلقت السعودية عزيزة اليوسف عريضة تطالب فيها بإلغاء الولاية المطلقة للذكور على النساء وجمعت 14000 توقيع في ظرف شهر.
ترجمة: عائشة علون