لبنان - الكاميرون

جحيم عاملة منزلية في لبنان... ضرب وإهانات وسوء معاملة من قبل ربة البيت

بعد أن تم الاعتداء عليها من طرف مشغلتها، قررت مارتن العودة إلى الكامرون
بعد أن تم الاعتداء عليها من طرف مشغلتها، قررت مارتن العودة إلى الكامرون
إعلان

هي قصة عاملة منزلية تعرضت للضرب والعض من قبل ربة البيت لأنها رفضت أن تعطيها هاتفها الجوال، وهذه ليست حادثة نادرة في لبنان. عاملات المنزل في بلاد الأرز يأتون من أفريقيا وآسيا، ويبلغ عددهن حوالي 250 ألف، وعادة ما يعملن ويعشن في ظروف قاسية، خاصة وأن الحكومة اللبنانية لا تمد لهم يد العون، إذ لا تزال السلطات ترفض الاعتراف بأول نقابة للعاملات المنزليات التي أنشئت سنة 2015.

  جاءت مارتين إلى لبنان أملا في حياة أفضل، لكن لم تدم إقامتها طويلا. فبعد سنة ونصف من وصولها إلى بيروت، عادت هذه المرأة التي بلغت عقدها الثالث إلى الكاميرون محملة بذكرى أليمة، وهي أثر العض والضرب الذي تعرضت إليه من قبل مشغلتها، لأن مارتين مبوندو رفضت أن تعطيها هاتفها.

أفضل حياة فقيرة في الكاميرون على الهلاك في لبنان

آثار العض على يد مارتين بعد ثلاثة أسابيع

بدأت هذه الحادثة عندما دخلت ربة البيت إلى غرفتي وهي تستشيط غضبا آمرة إياي بالعمل. فأجبتها أنني لست طفلة صغيرة وأن عليها أن تتواصل معي بطريقة مختلفة. لكنها رفضت ذلك ودفعتني ثم أخذت هاتفي الجوال عنوة وأخبرتني أنني سأحرم من استعماله لمدة أسبوع. فلم يكن رد فعلي إلا أنني قمت بانتزاعه من بين يديها، فأنا أرفض رفضا باتا البقاء دون هاتف لمدة أسبوع، فجميع أفراد عائلتي يعيشون في الكاميرون، لا سيما ابني الذي لم يتجاوز عمره سنتين ونصف، والهاتف هو وسيلتي الوحيدة لأتواصل معه. لكن مشغلتي لكمتني وعضت ذراعي، كما أنها مزقت ثيابي وشتمتني ووصفتني بالكلبة والمومس والعبدة… فتركت لها هاتفي.

طلبت مني ربة البيت ترك منزلها فذهبت إلى الوكالة التي قامت بتشغيلي في منزلها. اكتفى أحدهم هناك بسؤالي إن كنت أرغب في العمل عند شخص آخر، لكنني أخبرته بأنني أفضل العودة إلى الكاميرون. قضيت الليلة في غرفة صغيرة بمقر الوكالة، لم أكن أملك مالا ولا هاتفا لأتصل بأي شخص وأخبره عن وضعي، ولم أحصل على أية وجبة. وفي اليوم التالي، طلبت مني الوكالة العودة إلى المنزل الذي كنت أشتغل فيه لأسترجاع جواز سفري والحصول على راتب الأشهر الستة الأخيرة، أي 1080 يورو. عندما وصلت هناك، قامت ربة البيت بشتمي مجددا قائلة أنها من الآن فصاعدا ستعاملني كعبدة. أما زوجها فقد سألني ماذا فعلت لزوجته وسخر مني.

"لم أحصل على كامل أجرتي ولم أسترجع جميع أغراضي"

فهمت من تصرفها أنها كانت تريدني مواصلة العمل عندها رغم كل ما حصل. كنت أخشى عنفها فقبلت واعتذرت منها، على شرط أن تمنحني هاتفا جديدا إذ تكسر هاتفي خلال الشجار الذي دار بيننا. وقد قبلت بذلك، شرط أن أشتري هاتفا جديدا براتبي الخاص. لكن بعد مرور أسبوعين، لم أحصل على هاتف جديد، بل أعارتني هاتفها كي أكتب رسالة لعائلتي آمرة إياي أن أقول لهم أن كل شيء على ما يرام. عندئذ، قررت الفرار واللجوء إلى قنصلية الكاميرون حيث تلقيت المساعدة. مكثت أسبوعا بعد ذلك في ملجأ كاريتاس، حتى يتسنى للقنصلية معالجة وضعي. وقد تمكنت من استرجاع جواز سفري والعودة إلى الكاميرون لكنني لم أحصل على كامل أجرتي (1080 يورو)، إذ استعملت مشغلتي جزءا منها لاقتناء تذكرة عودتي، والحال أن عقد التشغيل ينص على أن دفع ثمن التذكرة من مسؤولياتها. كما أنني لم أسترجع جميع أغراضي.

مارتين مبوندو كانت قد تحملت لمدة سنة ونصف ظروف عمل قاسية للغاية :

لم أحصل أبدا على يوم راحة واحد، وعادة ما كنت أشتغل إلى حدود الثانية صباحا. لم يكن من حقي الخروج من البيت بمفردي ولا الحديث إلى أي شخص. ومع ذلك، فكنت أعتبر نفسي محظوظة نوعا ما، إذ كنت أتمتع بغرفة فردية، ففي البيت الذي اشتغلت فيه قبل ذلك لمدة شهرين، كنت أنام في الشرفة قرب القمامة.

وتعرفت على نساء في ملجأ كاريتاس تعرضن لأسوأ من ذلك، عاملات منزليات يتعرضن للضرب لمطالبتهن بأجورهن بعد ثلاث سنوات من العمل دون تقاضي أي أجر!

مارتين مبوندو تريد أن تقدم شهادتها اليوم لردع نساء بلادها عن الذهاب إلى لبنان:

نقطة انطلاق هذه المغامرة المؤلمة كانت امرأة في الكاميرون أقنعتني بأنني سأحصل على عمل جيد جدا في لبنان، قائلة إنني سأعمل بين 8 و15 ساعة يوميا وأنني سأحصل على مسكن ومأكل وملابس. لكن يا لهول ما اكتشفت عند وصولي إلى بيروت! أفضل حياة فقيرة في الكاميرون على الهلاك في لبنان.

"وزير التشغيل اللبناني لا يزال يرفض الاعتراف بوجود هذه النقابة، وهذا أمر مخجل"

غادة جبور مسؤولة قسم مكافحة الاستغلال والاتجار بالنساء في جمعية كفى ببيروت. وهي تؤكد أنه لم يسجل أي تحسن في أوضاع العاملات المنزليات:

سوء التصرف تجاه العاملات المنزليات لا يزال واردا في لبنان. ومن الصعب لهؤلاء النساء التحرر من ذلك، فإن هن هربن من البيت الذي يشتغلن فيه واشتكين للشرطة، سيقوم الأمن بالاتصال بمشغليهن حتى يأتوا لاسترجاعهن. ففكرة أن العاملة المنزلية هي ملك العائلة الخاص لا تزال قائمة بالذات في لبنان.

أجور العاملات المنزليات أقل بكثير من الأجر الأدنى في لبنان وهو 405 يورو. فعاملة من بنغلادش لا تتقاضى أكثر من 135 يورو تقريبا في الشهر، أما الفيليبينيات فيحصلن على حوالي 360 يورو شهريا. حكومة الفيليبين تحاول التوصل إلى اتفاق ثنائي مع لبنان لتحديد راتب أدنى بالنسبة للعاملات الفيليبينيات بقيمة 360 يورو شهريا، لكن الحكومة اللبنانية ترفض ذلك…

ومنذ 2010، تم اعتماد عقد عمل جديد في لبنان لكنه لا يحترم عمليا. فالعاملات يمضين هذا العقد لكن لا يفهمن محتواه لأنه يكتب باللغة العربية. ولا يجب أن ننسى ضرورة مراجعة منظومة الكفالة التي لا تسمح لعاملة بتغيير مكان عملها دون إذن من مشغلها.

في 2015، تم إنشاء أول نقابة للعاملات المنزليات في لبنان. أتمنى أن يصبح وجودها على الساحة العمومية مهما لأنها الهيئة الوحيدة القادرة على توحيد جميع العاملات بمختلف جنسياتهن حول قضية حقوقهن وضرورة وجود إطار قانوني واجتماعي. إلى حد الآن، لا يزال وزير العمل اللبناني يرفض الاعتراف بوجود هذه النقابة، وهذا أمر مخجل نظرا لشرعيتها. لكن ما يبعث على التفاؤل هو الوعي المتزايد عند العاملات المنزليات بحقوقهن.