إيران

إيران بعيون مدونة سعودية

إعلان

في ظل التوتر بين إيران والمملكة العربية السعودية الذي ما زال يشتد، قد يبدو من الغريب أن تختار شابة سعودية الدراسة في إيران. غير أن هذا ما فعلته حقا مراقبتنا، وهي تروي تجربتها عبر مدونتها "Saudi in Iran".

العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية لم تكن أبدا جيدة. فإيران دولة شيعية والسعودية تسير على النهج السني الوهابي المحافظ المتشدد. واليوم تخوض الدولتان حربا غير مباشرة في سوريا واليمن وعلاقاتهما قد اهتزت أكثر من أي وقت مضى. وآخر خلاف بينهما كان حادث التدافع الذي أودى بحياة أكثر من 1600 شخص في مكة: كان عدة مئات من الإيرانيين بين الحجاج الذين لقوا حتفهم، واتهمتهم السلطات السعودية بأنهم هم أول من بدأ في التدافع. أما طهران فقد حملت مسؤولية هذه المأساة مباشرة للسلطات السعودية.

وبعد حادثة التدافع في الحرم المكي، تظاهر إيرانيون أمام السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد. وأعلن بعض الشيوخ في المملكة العربية السعودية أن قتل الشيعة "حلال".

في هذا السياق، اختارت المدونة السعودية سارة المصري التي عاشت ودرست في طهران طيلة الأشهر العشرة الماضية، أن تركز في مدونتها على الحياة اليومية هناك دون أن تخوض في السياسة. لكنها تحدثت استثناءً عن مأساة مكة المكرمة: "هذا الحادث سبب انقساما في ردود الفعل بين البلدين إلى أبعد الحدود...مما جعل إمكانية التفاهم والمودّة تتراجع بضعة عقود إلى الوراء".

سارة المصري نشأت في المملكة العربية السعودية، ثم درست في جامعة لندن. وهي الآن تتابع دورة في الدراسات الإيرانية في طهران.

كانت دائما تستهويني إيران وثقافتها وتاريخها. استطعت في لندن أن أتبحّر في دراسة البلد. لكن ذات يوم، قررت بأن دراسة هذا البلد من بعيد ليست كافية: لقد أردت أن أرى واقع هذا البلد بعيني.

عندما أخبرت الأهل والأصدقاء عن نيتي، شعر بعضهم بقلق كبير وحاولوا إقناعي بعدم الذهاب. أولا، لأن فرصة العمل التي عرضت علي في لندن كانت جيدة، وأيضا لأن الأخبار الإيجابية التي تروج عن إيران في وسائل الإعلام قليلة!

سارة وصديقتاها في البحيرة المالحة في كرمه.

لمست خلال إقامتي في إيران أن الغالبية العظمى من الإيرانيين كرماء جدا، ولديهم القدرة على الفصل بين السياسة والشعب بطريقة أعتقد أنها حقا لا مثيل لها في الشرق الأوسط. لا أحد قابلته اهتم بأنني سعودية، ولا أحد اهتم بكوني سنية. عندما كنت أتعرف على أشخاص جدد، كان كثير منهم يظنون أنني هندية بسبب لكنتي باللغة الفارسية. وعندما كانوا يعرفون أنني سعودية كانوا يسألون: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ هل يعجبك بلدنا؟ هل تعيشين تجربة جيدة في إيران؟

بأمانة لا استطيع أن أخبركم عن أي تجربة سيئة. أعرف طبعا أن هناك عنصرية وعصبيّة وطنية كما هو الحال في بلدان كثيرة، لكن لحسن حظي لم أصادف ذلك خلال إقامتي هناك عشرة شهور.

في زيارة لجبل في مدينة إيذج حيث أدى الغاز الطبيعي لبروز ألسنة اللهب من الأرض.

"أردت أن أبني جسرا بين الشعبين"

 

قبل بضعة أشهر فقدت محفظتي وكان فيها الكثير من المال لأنني كنت قد صرّفت مبلغا من الجنيه الاسترليني إلى العملة المحلية التومان. وكانت المحفظة الضائعة تضم أيضا بطاقة هويتي السعودية. وبعد بضعة أيام، اتصلت بي سيدة وأخبرتني أن محفظتي لديها. وقد كانت زوجة سائق سيارة الأجرة الذي وجد محفظتي، وظلت تبحث عني عدة أيام!

بعد التدافع الذي حصل في موسم الحج، وبينما كنت أدفع ثمن وجبة الغداء في المطعم جاء أحد أصدقائي وقال لأمين الصندوق على سبيل المزح: "لا تبعها أي شيء، إنها سعودية!" ثم ركض. وإذ بي أرى سيدة تقترب مني بعد أن شهدت ما حدث وظلت تعتذر مني لمدة خمس دقائق عن سلوك ابن بلدها. وحتى بعد أن أخبرتها أنه كان يمزح، قالت: ليس هناك مجال لمثل هذا المزاح هنا!

غالبا أنشر على مدونتي تجاربي الاجتماعية والثقافية وأكتب عن رحلاتي في أرجاء البلد. ما أريده هو أن أبني جسرا بين الشعبين من أجل دحض الخرافات والأفكار النمطية. حاليا أكتب بالإنكليزية ولكنني أنوي ترجمة كتاباتي إلى العربية ولاحقا إلى الفارسية.

ترجمة: عائشة علون