تشهد منطقة رأس العين في سوريا معارك طاحنة بين مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ووحدات الحماية الشعبية الكردية. وتحظى هذه المليشيات بدعم العديد من النساء المقاتلات. مراقبنا قضى عدة أيام برفقتهن، على خط النار.
نشرت في: آخر تحديث:
إعلان
مقاتلة كردية من رأس العين. الصورة قام بالتقاطها مسعود حامد.
تشهد منطقة رأس العين في سوريا معارك طاحنة بين مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ووحدات الحماية الشعبية الكردية. وتحظى هذه المليشيات بدعم العديد من النساء المقاتلات. مراقبنا قضى عدة أيام برفقتهن، على خط النار. اقرؤوا شهادته.
فقد جيش النظام السوري منذ فترة طويلة السيطرة على مناطق الأكراد شمال سوريا. وتشهد هذه المنطقة معارك عنيفة بين جهاديي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ووحدات الحماية الشعبية الكردية منذ نهاية العام 2012. تضم هذه الوحدات في صفوفها عددا كبيرا من النساء المقاتلات، فهن يشكلن حوالي 40 بالمئة من المقاتلين الأكراد الذين يقدر عددهم الإجمالي بـ40 ألف مقاتل.
مراقبنا مسعود حامد يعمل كصحافي. خلال شهر يوليو/تموز المنصرم، قضى عشرة أيام في منطقة رأس العين على جبهة القتال برفقة مقاتلات من وحدات الحماية الشعبية الكردية.
"الجهاديون يريدون إعادتنا إلى العصور القديمة"
منذ اندلاع المعارك بين وحدات الحماية الشعبية الكردية والجماعات الإسلامية المسلحة، أصبحت رأس العين كمدينة أشباح، فقد باتت مهجورة.
كنت متواجدا في منطقة تدعى "خرب البنات" بالقرب من مدينة رأس العين، هناك يوجد ثكنات لمقاتلي وحدات الحماية الشعبية الكردية.
الثكنات تبتعد عن بعضها البعض بمسافات متقاربة، هناك مجموعات من النساء، ومجموعات من الشباب، ومجموعات مختلطة. في كل مجموعة يوجد ما يقارب الثلاثين مقاتلا.
تقول جهان، إحدى القائدات الميدانيات:
"هذه حرب استنزاف، وتسمى بمعركة الحدود أو الباب لأن المنطقة تعتبر إحدى المداخل إلى رأس العين عبر الحدود التركية. دخل المئات من الإسلاميين عبر تلك البوابة لكسر شوكتنا. كنا على وشك أن نتراجع أمام جحافلهم، لكن عدم معرفتهم بفنون القتال جعل الحظ يحالفنا، فقد كان القلة منهم يتقنون القتال بشكل جيد. لم أكن أتوقع إننا سننجو، إنه كما الحلم".
تَمر أيام ولا زلت أمكث في "خربة البنات". هناك تمكث النساء ويحمين المنطقة التي أصبحت نقطة المواجهات ضد جهاديي القاعدة، ذلك التنظيم الذي أزعج العالم برمته.
بالرغم من قرب المسافة من الجهاديين، تحاول المقاتلات خلق لحظات للمرح. ففي كل ليلة، عندما تسنح لهن الفرصة، يقمن حفلات غنائية لتكريم ذكرى رفاقهن الشهداء ولرفع من المعنويات.
في إحدى الليالي، وكان منتصف الليل وكانت أضواء الجهاديين تنير المنطقة. كنت مضطرباً. سألت: "ما هذه الأضواء هل هناك هجوم؟"
فردت بيرولات ،إحدى القائدات في الخط الأمامي :
"ربما سيهاجمون، فقد تلقوا دعما البارحة لذا هم مستعدون للهجوم. لكن لا أتوقع ذلك لأنهم يعرفون أيضا مدى الاحتياطات التي اتخذناها. لقد خضنا حروبا كثيرة ضدهم. هناك محترفون بينهم، لكن الأغلبية لا يفقهون قواعد الحرب وقوانينها. لذا نحن واثقون من النصر. نحن لا نريد قتل الآخرين، لكننا مضطرات للدافع عن أنفسنا وعن رفاقنا، أهلنا وأطفالنا".
لا تزال الأسئلة تراودني، توقفت الأضواء وهن غير مباليات لأنهن يعرفن مدى تحصنهن. نحاول التجول في المنطقة رغم خطورتها. هو خط المواجهة، فالمعركة قد تندلع في أي لحظة. يتصل سيلم، قائد تلك المناطق: "انتبهوا ! المكان غير مؤمن. حاولوا إخراج الصحافي من هناك". فترد المسؤولة:" لقد اتخذنا كل الاحتياطات، لا تقلق".
المقاتلات هناك لا يملكن أوقات فراغ كثيرة. روسيا، 25 سنة، أنهت دراستها في الفنون الجملية، وأصبحت قائدة لمجموعة من وحدات حماية المرأة هناك. تقول :
"نحن لا نملك أوقات فراغ، نتدرب يوميا، وإذا كان لدينا متسع من الوقت نتدرب فكريا بتنظيم محاضرات للتثقيف السياسي. إننا لا نهاجم أحدا. فلم نذهب إلى حمص أو حماة أو إدلب. لا نقاتل أحدا، ولكن لن نقبل بدخول تلك الجماعات إلى مناطقنا مهما كان الثمن."
وجود النساء والرجال في تلك الوحدات أثار لدي الكثير من الفضول. فسألت :"هل يمكنكم الزواج من من ترغبن في صفوف المقاتلين أو غيرهم؟"
شيلان ترد:
"نحن قررنا الموت في سبيل حرية المرأة، لا نريد أن نبني عائلة تكون مهددة بالقتل في أي لحظة. نحاول أن نوعي المرأة بضرورة إدراكها حقيقة معاناتها من الظلم الذكوري وتشجيعها على تغيير عقليتها التي لطالما تقبلت هذا التسلط."
عندما كانت تغني بيريتان، الفتاة ذات العينان الواسعتان والنظرات الحادة بصوتها العذب كنت أتساءل كيف تستطيع أن تغني بهذه الأحاسيس وتضغط على الزناد في نفس الوقت. فتجيب :
"الغناء هو شيء رباني. أتذكر من خلاله رفاقي الذين استشهدوا. كانوا معي في نفس الخندق، أنقذني بعضهم واستشهد بعد ذلك. أنا أتألم كثيرا. أما عن السلاح، فأنا لا أضغط على الزناد رغبة مني ولكن لحماية أطفالنا ورفاقنا. أنا مضطرة لذلك لأن هؤلاء يريدون إعادتنا للعصور القديمة و جعل المرأة عبيدة لدى الرجل."
بعد مغادرتنا لذلك المكان ببضعة أيام، سمعنا أخبار عن فقدان العديد من تلك الفتيات لحياتهن في كمين نصبه لهم مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش). كانت بيرولات وبيريتان إحداهن.