منذ بداية الثورة السورية كان للأطفال حضور في المظاهرات ضد النظام كما في التجمعات الموالية لبشار الأسد. لكن كلما كانت الحرب الأهلية تستعر في البلد كان المراهقون والأطفال يجدون أنفسهم منخرطين في النزاع. واليوم يوضح لنا ناشطان كيف انجرفوا للحرب.
نشرت في: آخر تحديث:
إعلان
شاب التحق بجماعة المجاهدين السوريين أحرار الشام. صورة أخذت من فيديوهات الدعاية الخاصة بالجماعة.
منذ بداية الثورة السورية كان للأطفال حضور في المظاهرات ضد النظام كما في التجمعات الموالية لبشار الأسد. لكن كلما كانت الحرب الأهلية تستعر في البلد كان المراهقون والأطفال يجدون أنفسهم منخرطين في النزاع. واليوم يوضح لنا ناشطان كيف انجرفوا للحرب.
في البداية تعرض بعض التلاميذ للاعتقال والتعذيب لأنهم كتبوا شعارات ثورية، ثم ظهرت حركة الاحتجاجات السورية في مارس/آذار 2011. وبعد بضعة أسابيع عندما كانت التحركات سلمية كان الأطفال يشاركون في معظم التجمعات. فكانوا يظهرون على أكتاف أهلهم على الفيديوهات وهم يحملون لافتات ويرددن شعارات الكبار.
لكن القمع الذي مارسته قوات نظام بشار الأسد اشتد والنزاع تحول إلى نزاع مسلح وسقط الضحايا بعشرات الآلاف. وفي هذا السياق من العنف، وجد الصغار أنفسهم متورطين مباشرة في النزاع والفيديوهات -الدعائية أحيانا- يظهر أطفال يحملون السلاح، وما أكثر هذه الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهم يقاتلون قبل أي شيء من أجل أسرهم أو حيهم كما يشهد على ذلك هذا التقرير الذي يظهر في بداية 2012 شابا عمره 15 عاما في ساحة القتال بمنطقة حماه. وكان قد فقد أباه وأخاه منذ فترة.
يظهر على صورة من الفيديو الوارد أدناه طفل عمره بالكاد عشر سنوات في الجبهة بدير الزور مع رجل يقدم نفسه على أنه والده. لكنها تظل حالات نادرة. إنهم بالأحرى المراهقون هم الذين يعززون صفوف المقاتلين من الجانبين.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا نددت فيه باستخدام الأطفال من طرف جماعات متورطة في النزاع. ويؤكد التقرير أن أطفالا يبلغون 14 سنة يستخدمون للمراقبة ونقل الأسلحة والمؤن الغذائية من طرف جماعات من كتائب المعارضة. وشباب يبلغون 16 سنة سبق لهم أن حملوا السلاح وشاركوا بنشاط في المعارك.
في هذه الصورة نرى المقاتلين في لواء التوحيد بحلب وهم يوقفون شابا يقول إنه أرسل من السلطات السورية لكي يتجسس عليهم.
وبعض الأطفال يستخدمون لأغراض دعائية مثل هذا الطفل الذي يدعو للجهاد في جامع بحلب. وهذا شأن شاب آخر في قرية بنش عند الحدود التركية الذي صور وهو يشيد بتنظيم القاعدة وهدم برجي نيويورك ويدعو لقتل الشيعة [بشار الأسد من أقلية شيعية].
ومنهم من يوظفون لأغراض التمريض لمعالجة الجرحى في المستشفيات الريفية. فرانس 24 اتصلت بالمتحدث باسم اليونسيف في الأردن السيد أليكسيس ماسكياريلي الذي أكد أنه من بين الأطفال الذين تتكفل بهم هذه المنظمة، بعضهم ساعد في ساحات القتال في عمليات الإسعاف.
"بعضهم يجبرون على المشاركة في الهجمات أو على تسهيلها، لقد رأيت بأم عيني سيارة عائلة تفجر عند أحد الحواجز"
أبو صلاح ناشط سوري يعيش في حلب وكان بانتظام يصور من أجل شبكة أخبار حلب، وهي شبكة معارضة.
أصغر مقاتل رأيته حتى الآن كان عمره 16 سنة ولم يكن يشارك في القتال. كان دوره مساعدة المقاتلين الآخرين عبر وضع الذخيرة في بندقيات الكلاشينكوف أو تمرير الرسائل بين مختلف نقاط المراقبة على خطوط التّماس عبر حي ميسلون الذي أغطيه منذ بداية المعارك في حلب.
أما من جانب النظام، فقد دفع الجيش الأطفال في مناطق الثوار إلى استطلاع التجهيزات الدفاعية وعدد المقاتلين في الشوارع وأسلحتهم وغير ذلك. أنا شخصيا رأيت طفلين يقتربان من خطوط التماس. وعموما، هم إما أطفال شوارع أو من "النوَر" الرحل الذين يعيشون على هامش المجتمع في سوريا ولبنان والأردن. وهؤلاء الأطفال يتظاهرون بأنهم يفتشون في القمامة بحثا عن أشياء يبيعونها. لكن غرضهم الحقيقي هو وضع شرائح إلكترونية بجانب تجمعات الثوار أو قياداتهم [الهدف هو تمكين طيران النظام من استهداف تلك المناطق أثناء ضرباته]. وبعضهم يدفع للمشاركة في الهجمات أو تسهيلها.
وفي الفيديو الذي أخذنا منه هذه الصورة يظهر طفل أثناء استجوابه من قائد الجيش السوري الحر في دمشق. إنه يوضح أنه تعرض للتعذيب وربط بالقوة في مقود سيارة مفخخة أجبر على أخذها إلى منطقة الثوار في حي التضامن بدمشق.
"في جميع ميوله واتجاهاته هذا الجيل هو الضحية"
مراد الشامي المتحدث باسم لجان التنسيق المحلية للغوطة الغربية غرب دمشق.
تفرض الحرب قواعدها لدرجة أن الناس يجدون أنفسهم في جحيم يصعب معه منع مشاركة الأطفال في النزاع. وهؤلاء الأطفال نفسهم كانوا يشاركون في المظاهرات مع أهلهم ووجدوا أنفسهم اليوم يقاتلون في أتون الحرب. علما أن العديد منهم صاروا أيتاما اليوم.
رأيت شبابا تتراوح أعمارهم بين 14 و15 سنة يبذلون كل ما في وسعهم لمرافقة الثوار. كل يوم نشهد أمورا لا تصدق تربكنا كحالة تلك الطفلة البالغة من العمر 13 سنة والتي فقدت كل عائلتها وبيتها في المواجهات في داريا بريف دمشق ورفضت مغادرة حيها [منطقة داريا دمرت بالكامل وهجرها سكانها]. لقد حاولنا إخراجها من هنا مرارا وفي كل مرة تعود بإصرار أقوى فأقوى لمساعدة الثوار المتمركزين هناك.
"يتيم عمره 16 سنة أصبح قائد وحدة تحت إمرته عدة رجال"
في هذا الحي نفسه أصبح يتيم قائد وحدة تحت إمرته عدة رجال. وهذه أوضاع لا يمكن تفسيرها وتحدث في الحروب. وهذا الطفل كغيره كان يجب أن يكون في المدرسة. لكن جميع المدارس في مناطق الثوار قد استهدفها ودمرها النظام.
ما ينبغي فهمه هو أن هؤلاء الأطفال يرون أن واجبهم هو تقاسم العذاب مع أهلهم. ولا يتحملون فكرة البقاء في أمان في مخيمات اللاجئين. حتى أن العديد منهم هرب من هذه المخيمات للالتحاق بأب أو عمّ ظل في الحي الأصلي.
وينبغي أن نأخذ دعاية الثوار والنظام في الاعتبار. فالدعوة إلى التحرك وخطاب الكراهية أصبحا أمورا عادية والأطفال فقدوا كل توجيه وأصبحوا أكثر تأثرا من الكبار.
وحتى إذا ظلت حالات انخراط بعض الأطفال ظواهر قليلة، طلبنا من الجيش السوري الحر أن يمنعهم من الالتحاق بصفوفه. وقد لقينا تجاوبا من الجيش الذي أعطانا قوائم مفصلة بأسماء قسم كبير من الأطفال المعنيين وأعمارهم ومكان ولادتهم. لذلك، ننظم مع بعض الناشطين وبالتنسيق مع الجيش السوري الحر حملات توعية. ونحاول إنشاء مراكز استقبال ومدارس في الريف في بعض المناطق التي فيها بعض الاستقرار. لكن الجهاديين يرفضون تقاسم هذا النوع من المعلومات معنا وهذا يعقد الأمور كثيرا علينا.
خان الوزير، 16 سنة، التحق بصفوف جماعة المقاتلين الجهاديين في حلب.
أما من جانب النظام فنشهد الإشكالية نفسها، فهناك خطاب حقيقي يرمي إلى الكراهية وتجييش الشباب العلويين سيكون له بلا شك آثار مضرة على المدى البعيد. وهذا الجيل من السوريين - أيا كانت الميول والاتجاهات - هو الضحية.
حررت هذه المقالة بالتعاون مع وسيم نصر (@SimNasr) صحافي في فرانس 24.