انتحار أثيوبية إثر تعنيفها يلقي الضوء على وضع عاملات المنازل في لبنان
نشرت في: آخر تحديث:
تظهر هذه الصور المؤخوذة في بيروت مجموعة من الرجال تعنف آليم ديشاسا وهي عاملة منزلية أثيوبية، فتتعرض للجر على الأرض والضرب ومحاولة إدخالها سيارة بالقوة. ومن بين هؤلاء الرجال الموظف اللبناني لآليم. ووضعت آليم ديشاسا حدا لحياتها بضعة أيام بعد الحادثة، في مستشفى للأمراض العقلية حيث أخذت للعلاج. ...
تظهر هذه الصور المؤخوذة في بيروت مجموعة من الرجال تعنف آليم ديشاسا وهي عاملة منزلية أثيوبية، فتتعرض للجر على الأرض والضرب ومحاولة إدخالها سيارة بالقوة. ومن بين هؤلاء الرجال الموظف اللبناني لآليم. ووضعت آليم ديشاسا حدا لحياتها بضعة أيام بعد الحادثة، في مستشفى للأمراض العقلية حيث أخذت للعلاج.
صور المشهد الذي نراه أمام قنصلية أثيوبيا في بيروت. نرى الفتاة تتعرض للضرب على يد رجل وهي ملقاة أرضا.
تئن آليم وتردد بلغتها الأثيوبية "لا أريد أن أذهب هناك". ويحاول أحد المارة تهدئة جلادها قائلا "يكفي، ما هو المشكل إذا تركتها وذهبت، اتركها تعود للسفارة". وقبض الرجل الأول بعد لحظات على الفتاة من ثوبها وجرها على الأرض. ثم حاول إدخالها عنوة إلى سيارة بمساعدة رجل آخر. وبينما كانت آليما تصارع وتحاول منعهم من ذلك، قبض عليها أحدهما بعنف من شعرها، ثم انقطعت الصورة. وبعد بث الفيديو على القناة اللبنانية "ال بي سي" الأسبوع الماضي، جابت صور هذا المشهد كل العالم.
فيديو "ال بي سي" .
وتم التعرف على المسؤول الأساسي عن هذا العنف بفضل لوحة السيارة، اسمه علي محفوظ وهو أحد أصحاب شركة تشغيل مهاجرين كعاملي منازل. وذكر الرجل في حوار مع قناة "ال بي سي" أن الفتاة موظفة في شركته وحاولت الانتحار عدة مرات. وأكد أنه نقلها إلى السفارة بهدف ترحيلها إلى بلادها لأنها حسب قوله لم تكن مناسبة للعمل، وهو ما كانت ترفضه بشدة.
وصرح القنصل من جهته أنه رفض إرجاع آليم ديشاسا إلى بلادها، وفضل نصح علي محفوظ بنقل الفتاة إلى مستشفى للأمراض العقلية إذا كانت تعاني فعلا من اضطرابات نفسية. ويبدو أنه سمع ضوضاء أمام القنصلية بعد مغادرتهما فاتصل بالشرطة. وقال علي محفوظ في ما بعد أنه كان يحاول اركاب الفتاة في السيارة لإيصالها عنوة إلى المطار. وفي النهاية تدخلت الشرطة ونقلت آليم ديشاسا إلى مستشفى دير الصليب للأمراض العقلية. وانتحرت آليم ديشسا صباح 14 مارس/آذار خنقا بغطائها.
وعلى غرار العديد من زميلاتها، اقترضت آليم ديشاسا أموالا دفعتها للشركة التي وظفتها وجلبتها إلى لبنان قبل شهرين بطريقة غير شرعية. وتعمل اليوم في لبنان قرابة 200 ألف عاملة منزلية أغلبهن من أثيوبيا والفيليبين وبنغلاداش وسريلانكا والنيبال ومدغشقر. ويقدر عدد عاملات المنازل اللاتي تشتغلن دون رخصة إقامة في لبنان بـ100 ألف.
ووصف وزير العدل بعد نشر الفيديو الاعتداء بالـ"غير مقبول" وأعلن فتح تحقيق. ولا يزال علي محفوظ اليوم حرا.
"العنصرية في حق عاملات المنازل أمر مترسخ في الثقافة اللبنانية"
علي لطيفة فخري عضو في بيروت للحركة اللبنانية المعادية للعنصرية في لبنان.
نقل علي محفوط آليم ديشاسا إلى القنصلية مدعيا أنها مجنونة. ثم حاول تبرير ذلك قائلا إنها حاولت الانتحار عدة مرات مما اضطره لتغييرها من المنزل الذي كانت تعمل فيه. لكن المسألة ليست في كون هذه الفتاة تعاني أم لا من اضطرابات عقلية. فمثل هذا العنف الشديد لا مبرر له في أي حال. ومن جهة أخرى، وجب التثبت إذا كانت "المشاكل النفسية" التي تعاني منها آليم هي نتيجة الضغوط التي يمكن أن يكون قد مارسها عليها أحد موظفيها. ( وكانت آليم قد ذكرت أنها تعرضت للعنف أثناء عملها).
أنا شخصيا لا أتردد في الحديث في هذا السياق عن متاجرة بالبشر لأن الوكالات الخاصة مثل تلك التي يملك علي محفوظ جزءا منها تذهب إلى أثيوبيا وسريلانكا وفيليبين لإقناع نساء فقيرات بالقدوم للعمل هنا، فتوعدن براتب جيد وأيام عطلة وحرية المعتقد، إلخ... لكن عند وصولهن تجدن أنفسهن تعملن 16 إلى 18 ساعة في اليوم دون أيام راحة، إضافة إلى دفع غير منتظم للرواتب وغياب أية حرية في التنقل. ( وبعض الموظفين يأخدون منهن جوازات السفر ويحبسنهن بالمنزل).
فلا يتعلق الأمر هنا بمواطنات من الرتبة الثانية ولكن بعاملات منزل حولن إلى حالة عبودية. ( وتتعرض الآلاف منهن سنويا إلى اعتداءات جسدية أو جنسية).
"نظامنا التشريعي يربط رخصة العمل – وفي نفس الوقت رخصة إقامة العاملة – بموظف محدد، فيستغل العديد هذا النفوذ"
إن الأساس التشريعي الذي يتيح للموظفين استعباد العاملات هو قانون الكفالة. هذا النظام العبثي يربط رخصة العمل – وفي نفس الوقت رخصة إقامة العاملة – بموظف محدد، فيصبح هذا الأخير ولي أمرها على الأراضي اللبنانية فإذا فقدت عاملة المنزل موطن شغلها تصير عرضة للطرد من البلاد. ويستغل طبعا العديد من الموظفين هذا النفوذ لتحميل العاملات أكثر من طاقتن...
"فأن يرتكب مثل هذا العنف في حق أثيوبية أمام القنصلية دليل على أن الموظفين يمتلكون كل الحقوق"
ويقصي هذا النظام كليا العاملات من قانون العمل اللبناني فلا تتمتعن بأي حماية قانونية. ولحماية عمال المنازل في لبنان، أقرت الحكومة في 2009 عقد عمل وحيد وإجباري وخاص بعمال المنازل ( ويحدد العقد مدة العمل التي لا تتجاوز عشر ساعات في اليوم إضافة إلى تسع ساعات راحة غير منقطعة، ويوم راحة في الأسبوع، وتحديد راتب أدنى ومد العامل بقسائم دفع).
لكن هذا العقد لم يحل المشاكل. فهل يظنون فعلا أن هؤلاء النساء تأتين إلى لبنان للدخول في معركة قضائية تدوم خمس أو ست سنوات في حال خلاف مع الموظفين؟ دون الحديث عن ثلثهن اللاتي لا تملكن رخص عمل وإقامة. ما يجب فعله هو إدماج هذه الحالات كليا ضمن قانون العمل وإعطاءهن نفس الصفة التي يتمتع بها باقي العمال. لكن الإرادة السياسية غائبة، والتمييز العنصري ضد عمال المنازل أمر مترسخ في الثقافة اللبنانية. فأن يرتكب مثل هذا العنف في حق أثيوبية أمام القنصلية دليل على أن الموظفين يمتلكون كل الحقوق على العاملات".