الرئيس الأسود المغمور في تاريخ كولومبيا
نشرت في: آخر تحديث:
في نهاية القرن التاسع عشر وصل خوسي نييتو خيل إلى سدة الرئاسة في كولومبيا. ومع ذلك، ما من كتاب تاريخ يأتي على ذكره. فما السبب يا ترى؟ وهل حرمته حقًا بشرته السوداء أضواء الشهرة؟
على اليسار، صورة لخوسي نييتو خيل. وعلى اليمين، لوحة تصوّره أكثر "بياضًا".
في نهاية القرن التاسع عشر وصل خوسي نييتو خيل إلى سدة الرئاسة في كولومبيا. ومع ذلك، ما من كتاب تاريخ يأتي على ذكره. فما السبب يا ترى؟ وهل حرمته حقًا بشرته السوداء أضواء الشهرة؟
فيما يجاهر الأميركيون بفخرهم واعتزازهم لانتخابهم رئيسًا أسود، تستّر الكولومبيون على الرئيس خوسي نييتو خيل طيلة أكثر من قرن. وكان المؤرخ الكولومبي أورلندو فالس بوردا قد اكتشف مطلع سبعينيات القرن الماضي لوحة تصوّر خوسي نييتو خيل مرمية في علّية قصر في كارتاخينا (في شمال البلاد). طيلة حياته حاول فالس بوردا إنصاف هذا الرئيس الذي أجحف التاريخ بحقه حين تناساه من صفحاته. لكن الصحافة الكولومبية لم تكترث لهذا الرجل ذي الأصول الأفريقية ولمسيرته الفريدة سوى بعد رحيل المؤرخ فالس بوردا في أغسطس/آب الماضي.
الصورة الأصلية واللوحة المبيّضة
"من المستحيل أن تنتخب كولومبيا اليوم رئيسًا أسود"
خوان كارلوس خارامييو دبلوماسي كولومبي سابق ومستشار في السياسة الدولية في بوغوتا.
كانت العنصرية متفشية بقوة في زمن نييتو خيل. وكان البيض يمتنعون عن ارتياد الشواطئ خوفًا من اسمرار بشرتهم. ولا تزال هذه النظرة تجاه الكولومبيين من أصول أفريقية راسخة حتى اليوم.
ويعاني السكان الأصليون أيضًا من العنصرية لكنهم تجمعوا بشكل أفضل في منظمات كي يدافعوا عن حقوقهم. كما أنشؤوا مجموعات ضغط فاعلة في المجالس الديمقراطية. ولا يزال السود حتى يومنا هذا خارج الحلبة السياسية. فهم متواجدون فقط في منطقة شوكو. وحتى هناك، حيث يشكّلون 95 بالمائة من السكان، تعود ملكية الموارد، مثل مناجم الذهب، إلى البيض الذين لا يمثّلون سوى 5 بالمائة من القاطنين. ويسود الفقر والأمية في صفوف السود في كولومبيا وهذا ما يفسّر لماذا لم يقدم الكولومبيون من أصول أفريقية على تصحيح أو تسجيل أجزاء من تاريخ بلادهم وردت فيها مغالطات كثيرة بحقهم أو تمّ تناسيها عمدًا.
تتّسم السلطة بمركزية شديدة في كولومبيا. فالساسة البيض في بوغوتا يقررون ما سيكون عليه تاريخ البلد. في الشرطة أو في المناصب الإدارية العامة لا نجد هذا التنوع الإثني الحاضر في كولومبيا. من المستحيل أن تنتخب كولومبيا اليوم رئيسًا أسود.
بصراحة قضية هذا الرئيس المنسي تشغل النخبة المثقفة لا الطبقات الشعبية في كولومبيا. فغالبية الناس هنا لا يزالون يجهلون أن خوسي نييتو خيل قد وطأ يومًا هذه الأرض".
"تكشف هذه القصة التعصب العنصريّ المترسّخ في صفوف النخبة الكولومبية"
آن ماري لوسونزي متخصصة في علم الإنسان ومديرة الدراسات في المدرسة العملية للدراسات العالية في باريس. لوسونزي خبيرة في الشؤون الكولومبية وتعنى بصورة خاصة بمنطقة شوكو والساحل الكاريبي التي يتحدّر منها خوسي نييتو خيل.
لم يذكر التاريخ نييتو خيل لأنه كان خلاسيًا ومن منطقة على الساحل الكاريبي يقطنها سكان من أصول أفريقية كولومبية لطالما اعتبرتها السلطة المركزية في بوغوتا منطقة هامشية.
نييتو خيل ليبرالي جمهوري. كان نائبًا عما كان يُعرف حينئذ بـ"الاتحاد الغريناديني" (أي كولومبيا الحالية) وأصبح بعدها حاكم ولاية بوليفار. وفي العام 1861 مع عدد من حلفائه من الليبراليين، أسقط الحكومة المركزية المحافظة ونصب نفسه رئيسًا. ولسخرية القدر، أن أحد حلفائه من الليبراليين البيض كان يفترض أن يتبوأ سدة الرئاسة لكن بما أنه تأخّر في الوصول إلى حفل التنصيب، حلّ نييتو خيل مكانه. وقد شغل منصبه ستة أشهر.
أما اللوحة التي تصوّره فقد أنجزت قُبيل تسلمه مهام الرئاسة. وأرسلت فور انتهائها إلى فرنسا لتبييضها وجعل "نييتو خيل" "أكثر وَقارًا" في نظر النخبة في كارتاخينا المعروفة بميولها المحافظة للغاية. وقد أعيد "تسويد" اللوحة عام 1974 حين كشف فالس بوردا النقاب عنها. غير أنها لم تعرض على الجمهور سوى مؤخرًا في متحف كارتاخينا.
لا يزال نييتو خيل غائبًا عن كتب التاريخ الرسمية فيما يتم عادةً ذكر رؤساء آخرين تسلموا مقاليد السلطة لمدة أقصر منه. وتكشف هذه القصة التعصب العنصريّ المترسّخ في صفوف النخبة الكولومبية".