مراقبون

استخدام حسابات مزيفة لوسائل إعلام في أفغانستان "للترويج" لدعاية حركة طالبان

منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان شهر أغسطس/ آب 2021، ظهرت عدة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تقدم نفسها - أو تحاول ذلك- على أنها تتبع لوسائل إعلام. وتنشر هذه الحسابات المزيفة محتويات إعلامية تبدو حقيقية، من خلال استخدام نفس الإخراج التقني والأسلوب الذي تستخدمه وسيلة الإعلام الحقيقية. ولكن بعد عملية تفحص دقيق، يؤكد باحثون في منظمة "أفغان ويتنس" غير الحكومية، أن هذا المنشورات لا أساس لها من الصحة، وهي تسعى إلى إضعاف الجماعات المعارضة للحركة في البلاد وتضييق الخناق على الإعلام.

نشر حساب على تويتر يدعي أنه يتبع لوسيلة الإعلام "أفغانستان إنترناشونال" عدة منشورات تروج لأخبار كاذبة لصالح حركة طالبان في تصرف يهدف للتصدي للجماعات المعارضة للحركة في البلاد.
نشر حساب على تويتر يدعي أنه يتبع لوسيلة الإعلام "أفغانستان إنترناشونال" عدة منشورات تروج لأخبار كاذبة لصالح حركة طالبان في تصرف يهدف للتصدي للجماعات المعارضة للحركة في البلاد. © مراقبون
إعلان

منذ شهر كانون الثاني/ ديسمبر 2022، رصد باحثون في جمعية "أفغان ويتنس" (Afghan Witness) وهو مشروع يعنى بحقوق الإنسان خصص لتوثيق والتحقق من الأحداث في أفغانستان، عددا كبيرا من الحسابات المزيفة والرسائل التي تحاول نشرها. وركزت تحاليلهم على حساب مزيف على تويتر اسمه @AF_Inter5، الذي يقدم نفسه على أنه حساب رسمي لوسيلة الإعلان "أفغانستان إنترناشونال" Afghanistan International.

"سيساهم ذلك في زعزعة الثقة في حركة المعارضة"

توم ستابز، كبير الباحثين في المركز الإعلامي لمنظمة "أفغانستان ويتنس"، يقدم المزيد لمراقبون فرانس24 عن هذا الموضوع:

المحتويات التي ينشرها هذا الحساب تسعى إلى تشويه وسيلة الإعلام "أفغان إنترناشونال" والمعارضة على حد السواء في أفغانستان. ولم يتم تداول أي من القصص الإعلامية التي ينشرها هذا الحساب في أي وسيلة إعلامية أخرى. في العادة، عندما نتلقى خبرا إعلاميا من "أفغانستان إنترناشونال" أو باقي وكالات الأنباء، يمكن لنا التأكد من مصدره ونفهم من ذلك أن الخبر حقيقي. ولكن ما ينشره هذا الحساب المزيف كان مجرد اختلاق أخبار.

وفي معظم الأحيان، ينشر صاحب حساب @AF_Inter5 منشورات تمجد تأثير حركة طالبان في أفغانستان، بعد أن أعلنت الحركة السيطرة على السلطة في البلاد في أغسطس/ آب 2021. يزعم منشور، نشر في 1 آذار/ مارس الجاري وحصد أكثر من 57 ألف مشاهدة، أن قائد أركان الجيش السابق في جمهورية أفغانستان والذي شغل سابقا منصب نائب وزير الداخلية المكلف بالأمن، خوداد سادات قال إن وصول طالبان إلى الحكم أنهى الحكم الجمهوري كما قضى على "التجسس والقومية والتمردات".

لكن في المقابل، لا توجد أية نسخة أخرى لهذا البيان باللغة الإنكليزية أو الفارسية أو البشتونية، اللغة التي تستخدمها وسيلة الإعلام. كما أن الصورة التي تم نشرها مع هذه التغريدة تعود إلى سنة 2020، أي قبل أن تتولى طالبان حكم البلاد.

كما نشر هذا الحساب منشورات تقلل من شأن National Resistance Front NRF 'جبهة المقاومة الوطنية إن إر إف"، التي تمثل التنظيم الرئيسي المعارض لسيطرة طالبان على السلطة. في تغريدة أخرى، نشرت في 11 آذار/ مارس 2023 وحصدت أكثر من 20 ألف مشاهدة، يؤكد الحساب المزيف أن زعيم "إن إر إف" أحمد مسعود صرح لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أنه يملك علاقات مقربة مع تنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" وهو فرع لتنظيم "الدولة الإسلامية" الذي ينشط في أفغانستان.

تغريدة على تويتر نشرت في 11 آذار/ مارس الجاري تزعم أن زعيم "جبهة المقاومة في أفغانستان" قال إنه تنظيمه يملك علاقات طيبة مع فرع تابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" ينشط في البلاد.
تغريدة على تويتر نشرت في 11 آذار/ مارس الجاري تزعم أن زعيم "جبهة المقاومة في أفغانستان" قال إنه تنظيمه يملك علاقات طيبة مع فرع تابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" ينشط في البلاد. © مراقبون

لكن في الواقع، لم يدل أحمد مسعود بأي حوار لصحيفة نيويورك تايمز، ولم يصرح أبدا بامتلاك علاقات طيبة مع تنظيم "الدولة الإسلامية في ولاية خراسان". وتهدف هذه المزاعم إلى ربط حركة المقاومة الوحيدة التي تقول أنها تمثل الطرف الذي يناضل من أجل الديمقراطية في البلاد بتنظيم "الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" الذي تصنفه منظمة الأمم المتحدة تنظيما إرهابيا.

ويوضح ستابز كيف تتطابق هذه الروايات مع وجهات نظر حركة طالبان.

ستزعزع هذا التغريدات الثقة في حركة المعارضة هذه، لأنه في حال تصديق ما يقوله هذا الحساب المزيف على تويتر عن حركة المقاومة، سيصدقون أن حركة "إن إر إف" تتعاون مع أعداء أفغانستان وأشخاص يريدون تدمير أفغانستان، وذلك بعد الادعاء بأنها تتعامل مع تنظيم "الدولة الإسلامية". وذلك يعتبر تشويها كبيرا لسمعة "إن إر أف" وسط الرأي العام.

كما تمثل هذه السرديات التي تتناولها المحتويات الرقمية على هذا الحساب المزيف تشويها كبيرا لما تنشره وسيلة إعلام "أفغانستان إنترناشونال" الحقيقية، وهي وسيلة إعلام تقول إنها "تقدم أخبارا متوازنة ومحايدة عن كل ما يحدث في أفغانستان، بما في ذلك أصوات كل الأطراف السياسية والاجتماعية والقطاعات الاقتصادية داخل أفغانستان في كل أنحاء العالم"، حسب التقديم الموجود في موقع المؤسسة على الإنترنت.

و"أفغانستان إنترناشونال" هي قناة تلفزية يوجد مقرها في المملكة المتحدة وأنشأت من قبل المؤسسة الأم "إيران إنترناشونال Iran International"، وذلك بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان. وتلقت مؤسسة "إيران إنترناشونال" الإعلامية انتقادات بعد مزاعم عن وجود علاقات بينها وبين الدولة السعودية وتوارد شكوك في تأسيس المملكة لوسيلة الإعلام، التي نفت كل هذه الاتهامات.

ورغم أن الحساب المزيف لا يملك سوى 6500 متابع إلى حد كتابة هذه الأسطر، تحصد بعض منشوراته أكثر من 50 ألف مشاهدة في بعض الأحيان، وعددا من التعليقات وإعادة النشر.

مجرد حساب مزيف رديء

بعد معاينة التأثير الذي أحدثه حساب @AF_Inter5 على الإنترنت، بدأ فريق منظمة "أفغان ويتنس" في تحليل المحتويات التي ينشرها والأسلوب الذي تحرر به منشوراته. كان من الواضح مباشرة أن الحساب مزيف، بعد تفحص مؤشرات واضحة على هذه الصفحة.

في البداية، لا يملك هذا الحساب علامة التوثيق الرسمية في تويتر، عكس الحساب الرسمي لوسيلة الإعلام "أفغان إنترناشونال"، الذي يملك علاقة التوثيق الزرقاء في تويتر. ونجد مقدمة مختلفة في أعلى صفحة الحساب المزيف، إضافة إلى بريد إلكتروني مختلف، يحمل اسم بريد غوغل "Gmail"، وليس بريد القناة الرسمي "@Afintl.com”. كما تم إنشاء هذا الحساب في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أي بعد بضعة أشهر من سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان.

كما نشر الحساب المزيف عددا أقل بكثير من التغريدات من الحساب الحقيقي لقناة "أفغان إنترناشونال": حيث نشر 236 تغريدة مقابل 34230 تغريدة على الحساب الرسمي لوسيلة الإعلام.

في الأخير، فإن صورة الغلاف في الحساب المزيف تظهر مكتب تحرير الأخبار بقناة سي إن إن الأمريكية، فيما نرى في صورة الغلاف بالحساب الرسمي لـ"أفغان إنترناشونا" نصا كتب على خلفية زرقاء مموجة.

مقارنة بين الحساب المزيف لوسيلة الإعلام "أفغانستان إنترناشونال" (على اليسار) ونظيره الحقيقي (على اليمين).
مقارنة بين الحساب المزيف لوسيلة الإعلام "أفغانستان إنترناشونال" (على اليسار) ونظيره الحقيقي (على اليمين). صورة "أفغان ويتنس" Afghan Witness.

بعد التأكد من كل سابق، يبقى أن تغريدات الحساب المزيف تبدو مقنعة إلى حد كبير. إذ أنها تستخدم نفس الإخراج الغرافيكي التي تستخدمه مؤسسة "أفغان إنترناشونال" الإعلامية عند نشر الأخبار العاجلة في تغريدات على تويتر، التي تحتوي على شعار وسيلة الإعلام مع نص مكتوب على صورة ما.

صورة نشرها حساب @AFIntlBrk، الحساب الرسمي لمؤسسة "أفغانستان إنترناشونال" على تويتر (على اليسار) وصورة نشرها حساب @AF_Inter5 المزيف.
صورة نشرها حساب @AFIntlBrk، الحساب الرسمي لمؤسسة "أفغانستان إنترناشونال" على تويتر (على اليسار) وصورة نشرها حساب @AF_Inter5 المزيف. صورة "أفغان ويتنس" Afghan Witness.

 

لقراءة المزيد على موقع مراقبون فرانس24 : كيف يمكن كشف التغريدات المضللة على تويتر التي تنتحل صفة وسائل إعلام؟

وحسب أدوات تحليل منشورات الحسابات، الذي يسمح بمشاهدة إحصائيات حول منشورات حساب ما على تويتر، فإن حساب @AF_Inter5 عادة ما ينشر تغريداته بين الساعة السادسة والنصف صباحا والثامنة والنصف مساء بالتوقيت المحلي لأفغانستان، وهو ما ينفي مزاعم الحساب الذي يقدم نفسه على أنه وسيلة إعلام تتابع الأخبار على مدى اليوم.

مقارنة بين تردد منشورات الحساب المزيف لمؤسسة "أفغانستان إنترناشونال" الإعلامية (في الأعلى) والحساب الحقيقي لوسيلة الإعلام (في الأسفل) الذي ينشر تغريدات على مدى 24 ساعة كامل أيام الأسبوع. كل الأوقات المشار إليها في الصور هي بساعة زائدة عن توقيت غرينيتش.
مقارنة بين تردد منشورات الحساب المزيف لمؤسسة "أفغانستان إنترناشونال" الإعلامية (في الأعلى) والحساب الحقيقي لوسيلة الإعلام (في الأسفل) الذي ينشر تغريدات على مدى 24 ساعة كامل أيام الأسبوع. كل الأوقات المشار إليها في الصور هي بساعة زائدة عن توقيت غرينيتش. © مراقبون

 

ونشرت كل تغريدات حساب @AF_Inter5 على تويتر من جهاز يعمل بنظام "أندرويد Android" وهو ما يمكن أن يمثل مؤشرا على أن الحساب يدار من قبل شخص أو مجموعة أشخاص مساندين لحركة طالبان. في المقابل، تنشر تغريدات الحساب الرسمي لمؤسسة "أفغانستان إنترناشونال" من حاسوب مرتبط بشبكة الإنترنت، شبكة التغريدات على تويتر "تويت داك Tweetdeck" إضافة إلى أدوات أخرى لموقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يتطابق مع ما هو متعارف عليه في مكتب تحرير وسائل التواصل الاجتماعي بمؤسسة إعلامية ويعمل به عدد كبير من الأفراد.

وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، أكدت إدارة مؤسسة "أفغانستان إنترناشونال" الإعلامية، أنه لا وجود لأي علاقة بين المؤسسة وحساب @AF_Inter5، وأنها "حاولت في عدة مرات إغلاق الحساب لكن دون أن تنجح في ذلك إلى حد الآن".

"حركة طالبان تحاول تغيير المشهد الإعلامي في أفغانستان إلى آلة دعاية لصالحها"

يشير ستابز إلى أن جمعية "أفغان ويتنس" لا تملك أي دليل على أن ما ينشره حساب @AF_Inter5 على تويتر تم بتواطؤ مع حركة طالبان. لكنه يؤكد في المقابل أن الحساب يستخدم حسابات مزيفة لوسائل إعلام في أفغانستان للترويج لدعاية حركة طالبان.

نرى مسؤولين في حركة طالبان يصفون "أفغانستان إنترناشونال" بأنها وسيلة إعلام تنشر أخبارا كاذبة، عندما تنشر أخبارا توجه انتقادا للحركة. ويردون بسرعة على محتويات إعلامية يعتبرون أنها غير منصفة مع الحركة. وبامتلاكها هذه الحسابات المزيفة، فذلك يعد مؤشرا حقيقيا على أن الحركة تحاول إعداد عملية إعلامية واسعة النطاق تهدف من خلالها إلى زعزعة الثقة في المصادر الإعلامية المستقلة.

هناك عملية زعزعة للمشهد الإعلامي داخل البلاد وهي تسير بنسق حثيث. عدد المصادر الرسمية للأخبار التي يمكن للناس أن يثقوا بها تتراجع. وبالتالي، هذا يعني أنه ستكون هناك مصادر أقل لدى الناس ليبحثوا فيها عن أخبار موثوقة. تحاول حركة طالبان تحويل المشهد الإعلامي في أفغانستان إلى آلة دعاية لطالبان بدل مشهد إعلامي حر ومستقل، كما كان عليه الوضع قبل آب/ أغسطس 2021. ما نحن بصدد مشاهدته هو بالفعل حركة عكسية للإسراع لإزالة المشهد الإعلامي الحر بطريقة لم تحدث سابقا في كل أنحاء العالم. وعكس ما نلاحظه من عمليات تضييق تدريجية على حرية الإعلام، فإن ما تقوم به حركة طالبان سريع بطريقة لا تصدق.

ولا تعد عمليات الدعاية على الإنترنت أمرا جديدا بالنسبة لحركة طالبان، فكثير من الناس يعتبرون أن ذلك أمر حيويا لمساعدة الجماعة على استعادة السيطرة على الأراضي الأفغانية.