إيران: بحجة رفع معدل الخصوبة... فحوص تشوهات الجنين أصبحت شبه ممنوعة

من المرجح أن تكون العائلات الأكثر فقرا أول ضحية لهذا التشريع الجديد حسب تأكيد مراقبتنا التي تعمل قابلة حوامل.

كان كثيرون يعتبرون أن هذا الأمر أصبح من المسلمات لكنه عاد إلى السطح من جديد حيث تمت المصادقة في إيران على قانون في نيسان/ أبريل 2021 بشأن "حماية العائلة وتجديد النسل" من قبل الرئيس إبراهيم رئيسي ودخل حيز التنفيذ في 16 نيسان/ أبريل 2022. وكانت فحوص تشوهات الجنين تسمح بالخصوص بالتعرف على حالات متلازمة داون (التثلث الصبغي 21) ومتلازمة إدوارد والتثلث الصبغي 18 ومر ض  لمرض استسقاء الرأس والسنسنة المشقوقة في بداية الحمل وهي حالات يسمح كشفها بالإجهاض. وكانت هذه الأمراض من بين سببين يسمح من خلالهما إيقاف طوعي للحمل في البلاد فيما يتعلق السبب الثاني بتسبب الحمل في خطر على حياة الأم. ويجب أن يتم التدخل الطبي قبل دخول الجنين في شهر الحمل الرابع.

ويأتي هذا القانون الجديد بعد جهود متواصلة لزيادة معدل الخصوبة في إيران. ومنذ سنة 2011، يحض المرشد الأعلى للثورة الإيراني علي خامنئي على تحسين معدل النمو السكاني في بلاده الذي لا يتجاوز 1,2 بالمئة في إيران مقابل 2 بالمئة باكستان و2.3 بالمئة في العراق الذان يعدان جاري إيران شرقا وغربا. وفي 2012، حدد علي خامئني مضاعفة عدد السكان ليصل إلى 150 مليون نسمة كهدف للبلاد.

واتخذت السلطات إجراءات تحفيزية من خلال حملات إعلانية وحوافز مالية للمواليد الجدد إضافة إلى قيود تتعلق بإيقاف توزيع الواقي الذكري في تخذت السلطات إجراءات تحفيزية من خلال حملات إعلانية وحوافز مالية للمواليد الجدد إضافة إلى قيود تتعلق بإيقاف توزيع الواقي الذكري في إطار إجراءات تنظيم النسل في العائلات. ولكن القانون الذي تمت المصادقة عليه في سنة 2021 ذهب أبعد من ذلك حيث أصبحت فحوص تشوهات الجنين محصورة فقط على إذن من طبيب التوليد وليس من طبيب عام أو قابلات النساء مثلما كان عليه الوضع في السابق ولم يعد قرار إجراء الإجهاض منحصرا في قرار طبيب بل يتطلب موافقة طبيب تعينه الحكومة وخبير طبي.

_{فحص طبي يكشف وجود تشوه في أمعاء جنين تم إجراء في مستشفى أبادانا بالعاصمة الإيرانية طهران ونشرت في كانون الثاني/ يناير 2021 من قبل الدكتور مرشاد جمالي. صورة مراقبون.}

"هذا القرار قد يتسبب في حرمان آلاف النساء من فرصة إجراء هذا الاختبار"

ماهتاب (اسم مستعار) هي قابلة نساء في مدينة صغيرة وسط إيران، تقول:

من حسن الحظ أننا لم نتلق إلى حد إلى الآن أن أوامر ترتيبية لتنفيذ القانون، وبالتالي مازالنا نجري فحوص الجنين بشكل عادي في الوقت الراهن. في إيران، نجري فحوص كشف تشوهات الجنين بشكل آلي. ويتم إجراؤه في المرحلة الأولى عندما يكون الجنين في عمر يتراوح بين 8 و 14 شهرا. ويكلف إجراء هذا الفحص الروتيني نحو 600 ألف تومان [فريق التحرير: أي ما يعادل 20 يورو]. وإذا ما بدا الجنين في حالة عادية، نوقف إجراء التحاليل. دون ذلك، توجد مرحلة ثانية من الفحوصات يجب إجراؤها بين الأسبوعين الخامس عشر والعشرين والذي يكلف نحو 700 ألف تومان [فريق التحرير: أي ما يعادل 23 يورو]. وإذا ما تواصل الاشتباه في وجود تشوه، ندخل في مرحلة ثالثة من الفحوصات مع اختبارات أكثر دقة والتي تكلف نحو 5 مليون تومان [فريق التحرير: 166 يورو].

في المنطقة التي أعمل بهان يوجد حمل واحد على الأقل من كل 700 يعاني من تشوهات في الجنين وتسمح الاختبارات الطبية بالكشف عنه وفي معظم الأحيان يتعلق التشوه بمتلازمة داون. وخلال الأعوام العشرين الماضية، تقلص عدد الأطفال الذين يعانون من التشوهات الجينية بشكل كبير ويعود الفضل في ذلك إلى هذا النوع من الفحوص الطبية. وبقرار منعها، فإن ذلك سيتسبب بالضرورة في زيادة عدد الضحايا. وفي منطقتي لا يوجد سوى طبيب نساء واحد لعشرات القرى وبعض المدن وفي بعض الأحيان لا تزود امرأة أي طبيب نساء طيلة فترة حملها حيث لا يجرون فحوصا إلا لدى أطباء اختصاص عام. ويهدد هذا القرار بحرمان الآلاف من النساء من فرصة إجراء هذه الفحوص.

_{مقطع فيديو نشر في أيلول/ سبتمبر 2021 من قبل فاطمة صالحي طبيبة نساء إيرانية تعرض من خلاله اختبرا كشف تشوهات جينية في أول 12 أسبوع من الحمل. وتفسر عبر هذا الفيديو فوائد هذا النوع الفحوص.}

"هناك رجال في البرلمان بصدد اتخاذ قرار باسم النساء الحوامل في البلاد"

كوبرا خزالي هي رئيسة لجنة المرأة في "المجلس الأعلى للثورة الثقافية" الذي يدير السياسات الثقافية في الجمهورية الإسلامية وتكرر منذ نحو عامين عبر وسائل الإعلام الإيرانية أن هذا كلفة هذه الفحوص غالية لأنها ليس بالدقة الكافية ويمكن أن تتسبب في "قتل أطفال بصحة جيدة". ورحبت خزالي بقرار تطبيق القانون الجديد المتعلق بهذه الاختبارات عبر تغريدة على تويتر قامت بحذفها في وقت لاحق. وتسببت هذا الموقف في صدمة لدى مراقبتنا التي تقول:

لا أصدق أي شيء مما يقولونه وإلى حد اليوم لا تتكفل التأمينات الصحية بتغطية مصاريف هذه الفحوص وبالتالي فإنه لا تأثير لها على التغطية الاجتماعية والعائلات هي من تدفع كلفتها بشكل كامل. هذا القرار صادر من رجال في البرلمان بصدد اتخاذ قرار باسم النساء الحوامل في البلاد.

الحجة التي يتعللون بها هي أن هذا الفحوص الطبية ليست بالدقة الكافية هي ادعاء كاذب. نحن نتبع طرقا علمية متعارف عليها مثل تلك التي تجرى في باريس ونيو يورك ونتائجنا موثوقة بنسبة 99 بالمئة على الأقل. في الأسبوع الماضي على سبيل المثال، كان لدي امرأة حامل قدمت من إحدى القرى المجاورة. كان أول فحصين قامت بهما مثيران للقلق ولكن الفحص الثالث الذي أجرته أكد أن الجنين في صحة جيدة وتم طمأنة أبويه وعادا إلى بيتهما في هدوء. من جانب آخر، خلال العامين الماضيين، كان لدي ثلاث حالات لعائلات أجرت فحوصا لصحة الجنين وأظهرت نتائج سيئة خلال الاختبارين الأولين ورفضوا إجراء الفحص الثالث. والنتيجة كانت ولادة واحد من الأطفال الثلاث بتشوه متلازمة داون والثاني ولد بمرض  للسنسنة المشقوقة واستسقاء الرأس فيما توفي الثالث في عمر تسعة أشهر بعد معاناته من مضاعفات تشوه في القلب.

_{مهرشاد جمالي التي تعمل طبيبة تفسر في هذا المقطع المصور ما يتيحه إجراء الفحوص الأولية للكشف عن تشوهات الجنين. مقطع فيديو نشر خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019. فيديو مراقبون.}

أكبر ضحايا هذا القانون الجديد سيكونون من العائلات الفقيرة وهو ما ينطبق على معظم الذين يأتون إلى عيادتي.ستتمكن العائلات التي تملك إمكانات مادية أكبر من العثور على وسيلة ما لإجراء الفحوص بنفس الطريقة التي يدفعون بها تكاليف إجراء عمليات الإجهاض في المصحات الخاصة. في حال امتلاك المال في هذه البلاد، يمكن القيام بأي شيء. الناس الأقل حظا هم في العموم الأقل تعليما وبالتالي سيكون من السهل إقناعهم بأن هذه الفحوص الطبية ليست ضرورية. في الجانب الآخر، وسبب الثمن المرتفع هذه الفحوص، فإن سيتوجب علينا في بعض الأحيان إقناعهم بدفع تكلفتها عوض التخلي عنها لتغطية مصاريف أخرى. وبالتالي فإنه من الواضح بما كان أنه لن يكون في مقدورنا حثهم على إجراءها في المستقبل ولن تجري هذه العائلات الفحوص الطبية اللازمة. سيكون هناك مواليد جدد بعاهات جسدية وأمراض وهو ما سيزيد في فقر العائلات الفقيرة أصلا لأنه هذه النوع من المشاكل الصحية يكلف مبالغ طائلة في إيران.

وحسب البرلمان الإيراني، فإن البلاد تشهد إجراء ما بين 8 إلى 9 آلاف حالة إجهاض قانونية كل عام. ومن المفترض أن يتسبب القانون الجديد في تقليص هذا الرقم. وتشير تقديرات عدة أطرف إلى إجراء ما بين 300 و400 عملية إجهاض غير قانونية في البلاد كل عام.