كيف قامت حسابات ساخرة مساندة لإسرائيل بنشر أخبار كاذبة بشأن هذا الطفل غريغوري؟
نشرت في: آخر تحديث:
يتعلق الأمر بنموذج مدرسي للأخبار الكاذبة روجها عدد من الناشطين على خلفية التوتر الأخير بين إسرائيل وحركة حماس: ففي 21 أيار/ مايو الماضي، ادعى منشور على توتير أنه يظهر صورة طفل قتله الجيش الإسرائيلي. ولكن في الحقيقية يتعلق الأمر بـ"الصغير غريغوري'' الذي قتل في فرنسا سنة 1984 في قضية أثارت الرأي العام في البلاد. وصدر هذا "الخبر الكاذب'' من قبل مجموعة مساندة لإسرائيل على فيس بوك. ويفسر لنا أحد مستخدمي توتير كيف حقق في هذه الصورة.
تحديث 31 أيار/ مايو 2021: هذا المقال الذي نشر في البداية يوم 28 أيار/ مايو تم تحديثه يوم 31 أيار/ مايو بعد تفاعل مدير صفحة "نورشي دي سيونيزم ديكوملبكسي'' على فيس بوك مع ما ورد فيه.
في 21 أيار/ مايو الماضي، نشر حساب على تويتر يدعى "حورية تاه @HouriaTah " (الذي حذف بعد ذلك، لكنه حفظ في الأرشيف هنا) صورة لطفل مع تعليق باللغتين الإنكليزية والعربية يقول: "إسماعيل آشور أغرقها جيش الاحتلال، لكن لن تتحدث أي وسيلة إعلام صهيونية عن الموضوع''
التغريدة الأولى على توتير التي تؤكد أن الطفل إسماعيل آشور ''أغرق من قبل الجيش الإسرائيلي لكن لن تتحدث أي وسيلة إعلام صهيونية عن الموضوع'' وهو حساب تم حذفه فيما بعد. صورة إد شيراك.
ولاحظ عدد كبير من مستخدمي الإنترنت خللا ما في هذا المنشور، إذ لا يمكن أن يتعلق الأمر بإسماعيل آشور بما أن الطفل الظاهر في الصورة هو غريغوري فيلمن الذي أطلق عليها "غريغوري الصغير" الذي مات غرقا في ظروف مريبة سنة 1984 في نهر فوج في فرنسا والذي لم تكشف ملابسات وفاته حتى الآن، بعد مرور 37 سنة على هذا الحادث.
وبسرعة كبيرة، انتشرت الصورة مع نوعين من ردود الفعل: مستخدمو إنترنت "سخروا" من المنشور معتقدين أن الأمر يتعلق "بمزحة" ثقيلة. وآخرون يرون أن الأمر يتعلق بمحاولة تضليل من قبل حسابات مناصرة للفلسطينيين معتبرين أنهم "اخترعوا" وفاة الطفل في سياق التوتر الأخير بين حركة حماس وإسرائيل. وتم تداول المنشور أكثر من 500 مرة في غضون خمسة أيام خصوصا من قبل شخصيات فرنسية على غرار المحامي جيل ويليام غولنادل والنائب عن حزب (أل أر إي أم) ماير حبيب وأيضا الفيلسوف رافائيل أنهوفن مؤكدين بالخصوص أن الأمر يتعلق بدعاية قامت بها حماس.
Parmi ceux de la deuxième catégorie, on retrouve l'inénarrable @GWGoldnadel, figure bien connue des téléspectateurs de CNews et des auditeurs des Grandes Gueules sur RMC, avocat et défenseur de la politique de l'actuel gouvernement israélien vis-à-vis de l'Autorité palestinienne. pic.twitter.com/CTpVZIw1S1
— Ed Chirac (@EdChirac) May 26, 2021
"يوجد بالنص عدة مشاكل لغوية ما شكل تحذيرا بالنسبة لي"
ومن بين مستخدمي الإنترنت الذين اعترضهم المنشور، يتساءل حساب إد شيراك @EdChirac عن حقيقته. ووضح صاحب الحساب الذي فضل عدم ذكر اسمه، طريقة تحققه منه لفريق تحرير مراقبون فرانس24:
ما أثار انتباهي في هذا المنشور هو أنني لاحظت مشاكل لغوية في كتابة النص: يقولون إن الطفل الصغير مات "غرقا": وعندما نتابع الأخبار، نادرا ما نسمع عن موت أطفال في غزة غرقا بسبب الجيش الإسرائيلي بل أنهم يموتون في معظم الأحيان جراء الغارات الجوية ما جعل المنشور غريبا ومفاجئا. زد على أن النقطة "الكبيرة" التي جلبت انتباهي في هذا المنشور هو علاقته بقضية الصغير غريغوري التي جعلت المنشور وكأنه يبدو كمزحة ثقيلة.
العنصر الأخير المهم هو أن أحدهم قرأ النص بالعربي لي. واكتشفنا أن النص كتب للمؤنث وهو أمر غير منطقي بالنسبة إلى ولد صغير. وهو ما ترك انطباعا بأن النص ترجم من خلال أداة على موقع "غوغل". كل هذه الشوائب غير المفهومة من ناحية صياغة النص شكلت تحذيرا بالنسبة لي جعلتني أسعى لمعرفة المزيد بشأنه.
في هذه التغريدة على تويتر يمكن أن نقرأ حرفيا: "إسماعيل آشور، لقد أغرقها جيش الاحتلال بغزارة. لمن لا وسائل الإعلام الإسرائيلية ستنقلها". ويحيل التصريف المؤنث للطفل إسماعيل على الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بترجمة آلية عبر أداة على الإنترنت. صورة إد شيراك.
"دائما ما يجب فحص الحساب الذي ينشر الأخبار"
قرر إد شيراك إذا فحص كل المنشورات على حساب ''حوريا تاه" على تويتر الذي قام بنشر الصورة:
"أول ما يجلب الانتباه هو أن تاريخ إنشاء الحساب حديث جدا وفي أيار/ مايو 2021 بالتحديد. وتعتبر التغريدة التي تظهر صورة الصغير غريغوري أول منشور يحرره صاحب الحساب بنفسه. أما باقي المنشورات فإنه إعادة نشر تغريدات لمستخدمي إنترنت مناصرين للفلسطينيين أو لوسائل إعلام مثل قناة الجزيرة التي تتعلق بالخصوص بإحصاء العنف ضد الأطفال الفلسطينيين. لقد فعل كل ذلك لإعطاء مصداقية لحسابه. وفي الأخير، لم يكن يتابع سوى 23 حسابا ولم يكن يتابعه أكثر من ثمانية أشخاص. بدا وكأن الأمر يتعلق بحساب صغير جدا أنشأ في مكان ما.
في يوم 26 أيار/ مايو، كان حساب "حوريا تاه" @HouriaTah c يحظى بمتابعة ثمانية أشخاص فقط ولم يكن يتابع سوى 23 حسابا ولم ينشر إلا 14 تغريدة بين 13 تتعلق بإعادة تغريد.
وبعد تنبيه شخصيات عامة بالموضوع، بينهم جيل ويليام غولدنادل وإعلامهم بأن الأمر يتعلق على الأرجح بحساب وهمي، تلقى إد شيراك رسائل من حساب على تويتر تتعلق بصورة مثبتة من مجموعة على فيس بوك تدعى "نورشي دي سيونيزم ديكمبلكسي" ("Neurchi de Sionisme décomplexé") وهي مجموعة خاصة على فيس بوك تقدم نفسها على أنها مجموعة "لتمجيد وعدم انتقاد دولة إسرائيل وأرض إسرائيل، الأرض الأبدية للشعب اليهودي".
وفي هذه الصور المثبتة، نجد تغريدة حساب "حوريا تاه" نفسها، مع تعليق يحث على تناقل هذا المنشور والهدف هو "إعادة تغريها ألفي مرة".
صورة مثبتة من تغريدة لحساب إد شيراك على تويتر تظهر أن مستخدم إنترنت من مجموعة ""نورشي دي سيونيزم ديكمبلكسي" يطلب من أعضاء المجموعة دعم تداول هذا المنشور بشكل مفتعل بهدف إعادة تغريده ألفي مرة على تويتر. صورة إد شيراك.
وتمكن فريق تحرير مراقبون فرانس24 من التواصل مع صاحب هذه الصور المثبتة والحصول على العناصر الأصلية التي تؤكد وجود محاولة لدعم هذا المنشور بطريقة مفتعلة. ويؤكد هذا الأخير الذي يطلق على نفسه اسم "جي" في تعليق أنه هو نفسه من كان وراء هذا الخبر الكاذب على تويتر.
في تعليق تحت الصورة مباشرة، يقول مستخدم إنترنت تحت اسم "جي" أنه هو من كان وراء هذا المنشور وطلب من الأخير "خلق ترند" أي جعل المنشور من المنشورات الرائجة على تويتر.
كما تمكنا من مشاهدة محتوى الصفحة المعنية مباشرة يوم 28 أيار/ مايو. ولم يكن هناك أي أثر لهذا المنشور بما أنه تم حذفها. في المقابل، كانت هناك عدة منشورات حديثة تتناول مباشرة تغريدة "الصغير غريغوري" معبرين عن فخرهم بأن هذا الخبر الكاذب تم تداوله من صحف "لوبوان" و"ليبراسيون" الفرنسيتين ومهنئين بعضهم على الإيقاع بمستخدمي الإنترنت من خلال حساب وهمي مناصر للفلسطينيين أو حتى وسائل على قناة "أي24 الإسرائيلية".
Rectificatif: La photo du petit #Grégory relayée sur les réseaux sociaux était un fake
— i24NEWS Français (@i24NEWS_FR) May 26, 2021
"Il semblerait qu'il s'agisse d'un faux compte Twitter créé pour faire une blague. Nous avons relayé cette information car c'est un procédé très utilisé pendant les conflits" pic.twitter.com/wZGwLXzKCx
وفي رسالة أرسلت لفريق تحرير مراقبون يوم 30 أيار/ مايو، أكد مدير المجموعة الذي فضل عدم كشف هويته لفريق تحرير مراقبون ما يلي:
"هذا المنشور لم يصدر عن المجموعة نفسها أو أحد المشرفين عليها... بل من أحد أفرادها. كل شخص حر في نشر ما يريد في المجموعة طالما كان ذلك متعلقا بمواضيع ساخرة وحسب الشروط المعلنة في بوابة المجموعة.
وأكد مدير الصفحة أن المنشور تم حذفه منذ أن اعترف صاحبه بأنه هو من نشره على تويتر.
"إذا ما اعترضتكم معلومة تثير عواطفكم قبل عقلكم، يجب أن يكون ذلك أمرا منبها"
يقول إد شيراك :
سأصنف هذا المحتوى على أنه "نصف ساخر، نصف خطير". إذ أنه يتناول موضوعا يتعلق بالأطفال، وليس الأمر بجديد في إطار المواجهات الأخيرة بين غزة وإسرائيل: إذ كان هناك صورة انتشرت منذ أيام تدعي أن طفلة صغيرة قتلت ولكن في الحقيقة يتعلق الأمر بصورة طفلة روسية صغيرة".
هنا، نحن أمام حركة داخل مجموعات مساندة لإسرائيل تحاول نشر انطباع بأن الحسابات المساندة للفلسطينيين تقوم بتلاعب بشأن مقتل طفل. ويهدف كل ذلك إلى اختلاق خطاب دعاية يروجه الفلسطينيون ويتعلق بضحايا مدنيين وهميين.
ويقول مستخدم الإنترنت الذي يملك حساب ''إد شيراك" على توتير أن هذا النوع من المنشورات يمكن أن يلاقي نجاحا ويتم تناقله من شخصيات عامة مؤثرة على غرار رفائيل أنتهوفن الذي نشر تغريدة يعتذر فيها عن نقله خبرا كاذبا.
ويتابع صاحب الحساب قائلا:
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في فرنسا العام المقبل، أعتقد أنه يجب أن نكون يقظين بشكل كبير مع هذا النوع من المنشورات: فقد تلجأ مجموعات من نفس النوع إلى إنشاء حسابات وهمية لنشر معلومات خاطئة تماما.
ونصيحتي هي دائما التفكير قبل إعادة نشر تغريدة أو تداول خبر ما، "إذا ما اعترضتكم معلومة تثير عواطفكم قبل عقلكم، يجب أن يكون ذلك أمرا منبها"