العراق: ناشطون يختبئون هربا من موجة اغتيالات تقودها مليشيات مقربة من إيران
يواجه الناشطون البارزون ضد السلطة في العراق حملات تعقب لا تتوقف شملت عمليات خطف وتعذيب واغتيال. ويرى المتظاهرون والخبراء أن هذه الممارسات هي من تدبير مليشيات مقربة من إيران تابعة للحشد والشعبي، وهو تنظيم شبه عسكري أسس سنة 2014 بغاية محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو اليوم متهم بتنفيذ عدد كبير من الاعتداءات على المدنيين.
نشرت في: آخر تحديث:
تطالب التحركات الاحتجاجية التي يقودها الطلبة بالأساس، انطلقت في 25 تشرين الأول أكتوبر 2020، بإنهاء الفساد وإلغاء النظام السياسي القائم على توزيع المناصب على أساس الانتماءات الطائفية. كما يطالب المتظاهرون بإنهاء التأثير الإيراني في البلاد. وتعرضت هذه الحركات الاحتجاجية إلى قمع دموي على يد قوات الأمن التي لا تتردد في استخدام الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين خصوصا في ساحة التحرير التاريخية في بغداد. وفي الفترة الممتدة بين تشرين الثاني/ أكتوبر و20 كانون الثاني/ يناير، أحصت منظمة العفو الدولية حوالي 600 قتيلا.
ولكن أكثر ما يخشاه الناشطون السياسيون هو عمليات الاختطاف والاغتيال المنظمة. ويتعلق الأمر بطلبة وصحفيين ومفكرين ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي ويحظون بمتابعة المتظاهرين. حيث جعلتهم شهرتهم عرضة لهجمات رجال مسلحين، على هامش مظاهرة، في زقاق أو أمام بيوتهم.
سلسلة من محاولات القتل
كرم أعدب، أحد أبرز وجوه الصف الأمامي في احتجاجات بغداد، نجا من محاولة اغتيال مساء يوم الأربعاء 25 تشرين الثاني/ نوفمبر. وعندما كان موجودا رفقة أحد أصدقائه أمام بيته، خرج رجلان ملثمان ومسلحان بمسدسات كاتمة للصوت من سيارة بيضاء، أطلقوا عليه النار ولاحقوه إلى غاية محل تجاري كبير لجأ إليه.
ويظهر مقطع فيديو نُشر على تويتر الجيران بصدد نقل هذا الناشط إلى المستشفى.
صور شاشة من مقطع فيديو يظهر نقل الناشط أكرم أعدب إلى المستشفى. صورة من تويتر.
وفي اليوم الموالي، مشى أكرم أعدب مجددا على قدميه بعد أن اقتلع الأطباء ثلاث رصاصات من جسده مثلما يظهره مقطع فيديو نشر على تويتر.
وقبل ذلك ببضعة أيام، وتحديدا في مساء 22 تشرين الثاني/ نوفمبر، أطلق مجهولون النار على واجهة منزل عمار الحلفي، وهو ناشط سياسي في البصرة، دون سقوط ضحايا. ونشر الناشط الناجي فيديو سجلته كاميرات المراقبة على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر طلقات نارية صادرة من سيارة توفقت على مستوى بيته.
وبعد ذلك بأسبوع، نشر عمار الحلفي مقطع فيديو آخر سجلته كاميرات لمراقبة نرى من خلاله ستة أشخاص مسلحين ببنادق يقتحمون العمارة التي يقطن بها في ليلة 28 تشرين الثاني/ نوفمبر. وأكد عمار الحلفي أنهم حاولوا قتله مرة أخرى وذلك في التعليق المصاحب للمنشور، دون تقديم تفاصيل إضافية.
وفي نفس اليوم، في مدينة الديوانية جنوب بغداد، تعرض منزل ناشط آخر، وهو عمار الخازعلي، لأضرار إثر انفجار قنبلة.
وفي 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، تعرض الناشط بشار النعيمي، الناشط السياسي في بغداد، لإطلاق نار على يد رجال مسلحين بمسدس كاتم للصوت – وهي طريقة يستخدمها المعتدون باستمرار حسب وسائل الإعلام العراقية- عندما كان يهم بمغادرة ساحة التحرير بعد مشاركته في تكريم لرفيق اُغتيل قبل بعضة أيام.
وفي نهاية شهر تشرين الثاني/ أكتوبر، أمر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بتفكيك الخيام التي أقامها المتظاهرون منذ بداية الحركة الاحتجاجية في كامل أنحاء البلاد. لكن المتظاهرون واصلوا النزول إلى الشوارع، ومن بينهم مراقبنا زهير (اسم مستعار). ويتظاهر زهير باستمرار في مدينة البصرة، ولا يتردد في عرض صورة على إنستاغرام، تمكن فريق تحرير مراقبون من الاطلاع عليها في حسابه الذي يتابعه الآلاف من الأشخاص. ومازال مراقبنا مصدوما من الاختطاف الذي تعرض له قبل بضعة أشهر، أرسل لنا مقطع فيديو يظهر آثار التعذيب في جسده.
"لقد عذبوني باستخدام صعقات كهربائية، وضربات بالعصي، وحلقوا رأسي"
"كنا في مظاهرة في نهاية سنة 2019 [فريق التحرير: لن نقدم تفاصيل إضافية حتى لا نعرض سلامة مراقبنا للخطر]. وعندما كنت أهم بمغادرة التجمع صباحا، اختطفوني رجال يرتدون زيا مدنيا وعذبوني طيلة يومين. قاموا بتعذيبي باستخدام صعقات كهربائية وبضربات العصي كما حلقوا رأسي عنوة. لقد قالوا لي إنه في صورة عدم التوقف عن التظاهر ونشر الصور، فإنهم سيقومون بقتلي. لكنني قررت مواصلة التظاهر، في ظل استمرار عدم إيقاف ومحاكمة قاتلي الناشطين السياسيين."
صور شاشة من مقطع فيديو نقله زهير (اسم مستعار) إلى فريق تحرير مراقبون. على هذه الصور، نرى ظهره مليئا بندوب ضربات العصي، وكدمات على مستوى الساق واليدين والذراع. كما حُلق رأسه في أماكن متفرقة.
وفي ظل خوفهم على حياتهم، فضل عدد كبير من الناشطين البقاء بعيدين عن المظاهرات ولكن عن وسائل التواصل الاجتماعي كذلك. عمار (اسم مستعار) اضطر لترك عمله كصحفي لضمان بقائه على قيد الحياة.
"لم أر والدي منذ ثمانية أشهر، لكنه الثمن الذي يجب أن أدفعه لأبقى على قيد الحياة"
في أحد الأيام، عندما كنت بصدد تغطية المظاهرات، تعرضت للخطف على يد أربعة رجال ملثمين يرتدون ملابس سوداء. قاموا بإجباري على صعود سيارة سوداء رباعية الدفع من طراز شيفروليه وغطوا عيناي. احتجزوني في بيت لمدة أربعة أيام دون أكل، قام أحدهم بحرق ساقي اليمنى بأداة حديدية مخروطية، ثم قالي لي: " هذا سيجعلك تتوب، لن تذهب مجددا إلى المظاهرات".
عندما أطلقوا سراحي، كنت في حالة يرثى لاها. أحد سجانيّ قام بتوجيه ضربات عنيفة على بطني ما أدى إلى إصابتي بنزيف داخلي. رقدت في المستشفى لعدة أيام أين أجريت عملية جراحية دقيقة.
وإلى حد اليوم، مازلت مرعوبا، خصوصا عندما أرى اغتيال رفقائي كل يوم. لم أر أبويّ منذ ثمانية أشهر، لا أجرؤ على زيارتهم خوفا من التعرف علي.
أرسل عمار (اسم مستعار) إلى فريق تحرير مراقبون صورا له أثناء إقامته في المستشفى. وعلى إحدى هذه الصور، نرى بطن عمار وقد خيطت إلى غاية عظم الصدر فيما تظهر صورة أخرى آثار حرق دائري على مستوى الساق.
تهديدات من قبل جيش إلكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بعد وصوله إلى السلطة في 7 أيار/ مايو الماضي، عن تشكيل لجنة تحقيق لتحديد قتلة المتظاهرين وملاحقتهم. لكن عددا كبير من الناشطين والمحللين يرون أن هذه اللجنة ليست إلا محاولة تهدف إلى تهدئة الشارع، فالدولة العراقية ليست قوية بما يكفي لتثير قلق جديا لدى الميليشيات المدعومة من إيران.
عمر فرحان، هو ناشط سياسي يعيش في المنفى في الأردن، ويدير منظمة غير حكومية مستقلة: وهو المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب. ويوضح لفريق تحرير مراقبون أن مرتكبي هذه الانتهاكات ضد المدنيين ينتمون إلى الحشد الشعبي. ويضم هذا التنظيم أكثر من ستين فرقة مسلحة. وينتمي بعض هذه الكتائب إلى طوائف سنية ومسيحية ويزيدية أو من الشاباك لكن الغالبية العظمي منها هي كتائب شيعية ممولة من إيران.
بالتأكيد، لا توجد دلائل ملموسة إلى حد اللحظة لأن التحقيقات لا تصل إلى نتيجة. ولكن حسب الشهادات التي جمعناها من ضحايا محاولات الاغتيال والخطف، غالبا من تطفو أسماء بعض المليشيات بعينها على السطح: وهي حزب الله العراقي [فريق التحرير: الذي يعتبر أقوى المليشيات المدعومة من قبل إيران، والذي صُنف تنظيما إرهابيا من قبل وزارة الخارجية الأمريكية] وعصائب أهل الحق [فريق التحرير: هذه الكتيبة المسلحة متهمة بارتكاب انتهاكات بحق السنة في العراق، ومن بينها بالخصوص إعدام خمسين شخصا في محافظة بابل في يوليو/ تموز 2014]، "القبعات الزرق" التابعة لمقتدى الصدر، ومجموعة سرايا السلام بالإضافة إلى مليشيات أخرى.
هدف هذه الانتهاكات هو ببساطة إسكات صور الحركة الاحتجاجية التي تطالب بتقليل تأثير إيران في البلاد. ومنذ بداية المظاهرات، قمنا بجمع شهادات تتحدث عن رجال مدنيين يندسون وسط المتظاهرين، ويقومون بتصويرهم ويطعنونهم وسط الحشود في بعض الأحيان. هذا دون الحديث عن الذين قتلوا من مسافة قريبة في بيوتهم أو في الشارع."
وتوجد التهديدات أيضا على الإنترنت، إذ يوصم المحتجون باستمرار بأنهم من "المقربين للولايات المتحدة" و"خونة" من قبل حسابات مرتبطة بهذه المليشيات المقربة من إيران، حسبما يؤكده عمر فرحان:
"بهدف ترويع الناشطين، تحركوا بشكل مكثف على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث نجح جيش من الحسابات في إغلاق عدد كبير من حسابات الناشطين من خلال حملة تنبيه مكثفة. ونجحوا بالخصوص في إغلاق حساب المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب على فيس بوك. وقام كثير من الناشطين، بينهم من تلقى تهديدات بالقتل، بإنشاء حسابات بأسماء وهمية للاستمرار في التواصل فيما بينهم."
وفي قرار أول من نوعه ضد الفصيل المسلح القوي "الحشد الشعبي"، أمر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 26 تموز/ يونيو بإيقاف 13 من عناصر مليشيا “حزب الله العراقي" من المتهمين بالتخطيط للهجوم ضد سفارة الولايات المتحدة في العراق. ويتساءل ناشط طلب عدم الكشف عن هويته قائلا: "الكاظمي قرر التدخل ضد مليشيا مقربة من إيران بغاية إنقاذ سفارة الولايات المتحدة. متى سيتجرأ على إنقاذ الشعب العراقي من القتلة."